«سمفونية الألغاز» مشهد واحد ينشر مفاجآت تأسر الجمهور

حوار ليس كغيره نسجه إيريك إمانويل شميت

TT

«الحب هو سوء تفاهم سعيد» كما قال آبيل زنوركو (أنطوان كرباج) لمحاوره الصحافي إيريك لارسن (جهاد الأندري) الذي حالفه الحظ في الحصول على مقابلة استثنائية مع كاتب استثنائي، حائز جائزة نوبل، ويعيش في جزيرة، بعيدا عن ضجيج العالم.

المقابلة بين الصحافي والأديب، كما نسجها قلم الكاتب الفرنسي المعروف إيريك إيمانويل شميت، تختلف عن كل ما شاهدناه سابقا، من مقابلات عبر شاشات التلفزة وسط ديكور فخم ووضعيات مقولبة تناسب الكاميرا... وكذلك فإن هذا المقابلة البديعة التي منها بنيت مسرحية «سمفونية الألغاز» لا تشبه، في أي حال، المقابلات الإذاعية أو تلك التي نقرأها في الصحف. إنها ببساطة مقابلة «حقيقية» أكثر من الواقع الذي نعيشه. الواقع الذي يرهقنا، ومن دون أن نلاحظ، بكلماته المنمقة والمنتقاة كحبات العدس. تلك الكلمات التي تداري من غير أن تصيب فتحجب الأجوبة أكثر مما تعطيها.

مشهد واحد، هي المسرحية، تدور حول لقاء أراده الصحافي لارسن مع الكاتب «الغامض»، بخصوص كتاب له، يحتوي رسائل تبادلها عاشقان طوال سنوات وانقطعت فجأة. مقابلة صعبة لأن الكاتب يكره الصحافيين، لما يطرحونه من أسئلة تقليدية، تستفزه إذ انه يعتبرها «دليلا على موت مخيلتكم التي اعتادت نقل الأحداث كما هي».

ببضعة عيارات نارية، يستقبل الكاتب ضيفه الصحافي، حين يقترب من منزله، وببضع طلقات أخرى، يناديه ليعود حين يهم بالرحيل... رصاصات إنذار يطلقها زنوركو، إنما لا تصيب، بعكس كلماته المضغوطة، كقطع الأحجية.

الحوار أو المبارزة الكلامية التي دارت بين الرجلين، أشعلت المسرحية، البسيطة والعميقة في آن. تلك «الألغاز» المتناثرة، خطفت الحضور الذي التقطها بنهم، لأنها تعدت في كثير من الأحيان أدوار الشخصيتين ومشكلاتهما، فطالت شؤونا حياتية مختلفة تعني كل إنسان.

وكأن ذاك الحوار بين الرجلين تحول في بعض اللحظات صراعا، نعيشه كل يوم مع ذاتنا ومع ما تفرضه الأنا الفوقية من قيود على رغباتنا.

المشاهد تدور بين كرباج والأندري، أو بين زنوركو ولارسن، إذ لبس كلاهما دوره بمستوى عال من الاحتراف. لكن الفرق شاسع بين الشخصيتين، للأول فلسفته «المجنونة» في الحياة والجنس والجمال والقبح، وللثاني هدوءُه، وعقلانيته حتى الرتابة، إلا ان «لغزا» جمعهما. الأول يجهل ما يدركه الثاني عنه والثاني يجهل من هو الأول. هاتان الحالتان المتناقضتان، صورة تختزل واقعنا. الحوار هو المسرحية. وأجمل ما فيه جمله السريعة، القصيرة التي كلما خطفتك واحدة سارعت الأخرى لانتشالك.

أما الديكور والإضاءة فاستطاعا على بساطتهما، نقل المشاهد إلى تلك الجزيرة التي شاهدنا أمواج بحرها وصفاء سمائها التي تلبدت بعد حين، مع تصاعد الأحداث، بغيوم رأيناها عبر نافذة زنوركو.

ورغم أن الأحداث أتت متوقعة في كثير من الأوقات، حافظت الوتيرة السريعة لـ«الألغاز المتحلحلة» على عنصر المفاجأة، ذلك لأن اللغز الأخير يكتشفه المتفرجون اليوم، ومساء كل يوم حتى 30 من الجاري، على خشبة «مسرح المدينة» البيروتي.