اليورانيوم المنضب .. نعاني من آثاره ولا نعرف شيئا عنه

كتاب سعودي يحذر من مخاطره على منطقة الشرق الأوسط

TT

تحفل المكتبات الغربية بالمؤلفات التي تبحث في طبيعة اليورانيوم المنضب، والذخيرة المصنعة منه، وأضرارها على البيئة والصحة العامة. وهي في متناول الجميع. أما المكتبة العربية فما تزال تفتقر الى الكتب والمؤلفات العلمية في هذا المجال. ومع أن الشعوب العربية، خاصة في الخليج والشرق الأوسط، قد تضررت كثيرا من استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب، فإن حكومات المنطقة لم تكلف نفسها عناء توفير المعلومات الضرورية عنه، وحتى المؤسسات البحثية والتعليمية لم تهتم كثيرا بالموضوع.

كتاب: «اليورانيوم المنضب: تطبيقاته ومخاطره»، الدكتور عبد الرحمن فؤاد عبد الفتاح، أستاذ الهندسة النووية والعميد السابق لكلية الهندسة في جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية، الناشر: دار النفائس، بيروت، هو أول مؤلف علمي يسد النقص الراهن، ويجد فيه قارئ العربية ضالته، نظرا لما يقدمه من معلومات علمية هامة، وبلغة مبسطة. وهو مفيد جدا ليس فقط لعامة الناس، وإنما يصلح أيضا كمرجع علمي لطلاب الدراسات العليا في أقسام الهندسة، والفيزياء النووية، والبيئة، وطب المجتمع، ولكل مهتم وباحث في اليورانيوم المنضب، طبيعته، وخصائصه، وطرق الحصول عليه، وتخزينه، ونقله، واستخداماته السلمية والحربية، وتأثيراته الضارة على البيئة والصحة، وغير ذلك. ومن ميزات المؤلف، أيضا، غناه بالمصطلحات العلمية وشروحاتها وبمرادفاتها في اللغة الانجليزية، الى جانب العدد الكبير من المراجع التي يستند إليها.

يتضمن الكتاب مقدمة، و10 فصول، ضمت 25 جدولاً توضيحياً، وخاتمة، ومراجع بلغت 292 مصدراً، وملحقا بصور وأشكال متعلقة بضحايا ذخائر اليورانيوم، ضمتها 246 صفحة من الحجم المتوسط.

يتناول الفصل الأول اليورانيوم الطبيعي واَثاره الصحية، شارحا طبيعة خام اليورانيوم، والنظائر التي يحويها، وحالتها، وكيفية حساب النشاط الإشعاعي للمادة المشعة، مدعوماً بجداول لنظائر اليورانيوم الطبيعي، وسلاسل الاضمحلال الطبيعية، واليورانيوم ـ 238، واليورانيوم ـ 235. ويعرف بتراكيز اليورانيوم في كل من الهواء والماء والطعام، وبتقدير الجرعة الإشعاعية الكلية، وكمية اليورانيوم اليومية التي يتلقاها الإنسان.

ويتناول الفصل الثاني اليورانيوم المنضب، طبيعته، وخواصه، ومصادره، ونشاطه الإشعاعي، مع جدولين لنسب النظائر في اليورانيوم الطبيعي وفي اليورانيوم المنضب. ويشرح خواصه الطبية الإشعاعية، والكيميائية، وتأثيراتها، مقروناً بجدول لمقارنة الحدود الإشعاعية المسموح بها والتي يتعرض لها الإنسان عن طريق الاستنشاق. أما الفصل الثالث، فقد كُرس للتطبيقات السلمية لليورانيوم المنضب، في المنتجات الاستهلاكية، وفي الصناعات المختلفة، والنفايات النووية المشعة، بدءا من المعادن المشعة الموجودة في المنازل والمكاتب والمباني الكبيرة، مرورا بالمعادن المشعة المستخدمة في بعض المنتجات التجارية، وانتهاء بالمعادن الناتجة من محطات توليد طاقة نووية ومراكز الأسلحة النووية. ويفرد حيزا لتقنية التغليف البوليثيليني لليورانيوم المنضب، والاستخدام المتعدد لبوليمترات اليورانيوم.

وكرس الفصل الرابع للتطبيقات العسكرية لليورانيوم المنضب، مركزاً على دروع الدبابات الثقيلة، مع جدول لذخائره المنتجة في الولايات المتحدة.ويتناول مخاطرها البيئية، والدراسات، والتجارب، والقياسات التي تمت في الميادين، وفي النباتات، وعلى بعض الحيوانات، ومستويات الإشعاع في الذخائر، وأسباب تفضيل اليورانيوم المنضب على التنجستين Tungsten والتخلي عنه. ويستعرض العواقب الصحية والبيئية لاستخدام اليورانيوم المنضب، وانتشار ذخائره الحربية، والمستخدمين، والموردين لها. ويسلط الضوء على استخدامها في حرب الخليج.

ويشرح الفصل الخامس بعض مخاطر التطبيقات السلمية لليورانيوم المنضب، ومنها الوفاة الناتجة عن السرطان، وخاصة سرطان الدم، والخلل في جينات أجيال المستقبل، وحشد من الأمراض غير السرطانية التي تتلف مناعة الجسم. ويستشهد بالضرر الصحي لحوادث طائرات مزودة باليورانيوم المنضب، وبعض التذكارات، ولعب أطفال، واستخدامات في طب الأسنان.

وفي الفصل السادس، تحليل لمخاطر التطبيقات العسكرية، وشرحاً بحوادث كثيرة، ومنها لنيران صديقة، وأخرى حصلت لمصفحات ودبابات وسفن وطائرات وغيرها تابعة لسرايا ودروع واقية عسكرية، وما حصل لها ولطواقمها. ويفصل في حرائق مخازن ذخائر اليورانيوم المنضب وتجمع المصفحات التابعة لقاعدة الجيش الأميركي في الدوحة بالكويت، عام 1991، والجهود التي بذلت، تحكماً بالتلوث باليورانيوم المنضب، وتقييماً له، ودور نشاط المجموعات العسكرية المتخصصة بالنظافة والتحكم الإشعاعي، ونتائج الجهود المبكرة، كاشفاً النقاب عن عوز الوثائق والتقارير، التي خلافاً لقوانين الإشعاع لم يقدم المسؤولون تقارير مفصلة ولا نهائية عن حادث مجمع الدوحة، كي لا تعرف كمية اليورانيوم المنضب التي انطلقت الى البيئة.

ويستعرض الفصل السابع اَثار (عواقب) تطبيقات اليورانيوم المنضب، معرفاً بالجرعة الإشعاعية المكافئة، وكيفية تقييم تأثيرات أنواع الأشعة، معززاً بجدول للجرعة الإشعاعية المكافئة لنظائر اليورانيوم، ولنواتج إضمحلالها، واَخر ـ لمعدلات الجرعة المكافئة من اليورانيوم. ويشرح كيفية حساب هذه الجرعة، مع جدول للجرعة المكافئة لليورانيوم الطبيعي، ولليورانيوم المنضب، موزعة بشكل متجانس على عموم الجسم أو على أعضاء معينة. ويتناول التعرض الداخلي والخارجي الناجم عن اليورانيوم، والحدود الإشعاعية المسموح بها، مع جدول للحدود السنوية المهنية لكمية اليورانيوم المسموح بتناولها، واَخر لتركيزات اليورانيوم المسموح بها في الهواء للمهنيين، وثالث للحدود المهنية لمستويات التلوث السطحي، ورابع للحدود المسموح بها لمادة اليورانيوم في ماء الشرب. ويستعرض الآثار الصحية لإشعاع اليورانيوم المنضب لعموم الناس، وللعاملين المهنيين. ويتناول التأثير الإشعاعي لليورانيوم المنضب، وأضراره على العسكريين، مشيرا الى تأكيد معهد الجيش الأميركي للسياسات البيئية بأن اليورانيوم المنضب يصدر جرعة إشعاعية جلدية حوالي 0.2 ريم في الساعة بالنسبة لإشعاعات بيتا وغاما، ويكوٌن أثناء انفجار القذيفة واحتراق الهدف خليطا من غبار الأكاسيد القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان.

وأفرد حيزا وافيا لتأثير السموم الكيميائية لليورانيوم المنضب، مركزاً على تأثيره على الكلى، وعلى إفرازاته وترسباته في أعضاء الجسم، معززاً الشرح بجدول لحدود تنفسه من قبل المهنيين، ولحدوده في الماء. ويخوض في أضرار السموم الكيميائية لليورانيوم المنضب، والتعرض المزمن (العضال) له، وتطورات السرطان الناجم عنه، وبخاصة سرطان الدم، وتأثير اليورانيوم المنضب على البيئة، والهباء (الدخان) الجوي، الذي أظهرت اختبارات اَثار اليورانيوم المنضب المختلفة كميات متباينة منه، حيث استنتجت دراسة علمية تحول حوالي 70% من ذخائر اليورانيوم عيار 105 ملم عند انفجارها الى هباء جوي. وأثبتت دراسة أخرى أن 33% من مخلفاتها من أوكسيد اليورانيوم قابلة للتنفس. وقد دخل اليورانيوم المنضب في بيئة حرب الخليج الى أجسام الجنود المحاربين عن طريق تنفس الغبار الناتج عن حرائق المعارك، أو البلع، من خلال تلوث الأيدي من أسطح المصفحات ثم الى الفم مع تناول الطعام، أو الإصابة بجروح في صيغة معدن اليورانيوم، وأكاسيده. وتسبب جزيئات أشعته تأيناً داخلياً، يتبعه تدمير مسامي Cellular damage، إضافة الى ما تبعثه نواتج التفاعل من جزيئات أشعة بيتا وإشعاعات غاما، مسببة تلفاً إشعاعياً إضافياً..

الفصل الثامن كرس لاستخدام اليورانيوم المنضب في حرب الخليج الثانية، وأوجه التلوث والأضرار الصحية للقذائف التي استخدمت، وأعراض حرب الخليج، وتقييم مستويات التعرض، معززا بجدول لتقديرات الجرعات الكيميائية والإشعاعية التي تلقاها الأشخاص الذين قاموا بتنظيف وإعادة تشغيل مجمع الدوحة، والتعرض لغبار (هباء) اليورانيوم المنضب، معززاً بجدول لتقديرات الحدود القصوى للكمية الداخلية وتركيزات الكلى والحدود الإشعاعية. ويشير الى فحص لأكثر من 10 اَلاف شخص من محاربي حرب الخليج، اشتكوا من أمراض غامضة، وجد أن 82% منهم قد دخلوا في المصفحات العراقية المدمرة والملوثة بغبار اليورانيوم المنضب، وأن قسم الدفاع الأميركي وإدارة شؤون المحاربين أجريا العديد من الدراسات لمعرفة الوفيات والإصابات الخطيرة بين المحاربين الأميركيين في حرب الخليج، ولكنهما التزما الصمت حيال نتائج هذه الدراسات.

وكرس الفصل التاسع لاَثار استخدام اليورانيوم المنضب على العراق، وتكتم الولايات المتحدة على أول استخدام لقذائفه. ويفصل في كميات ذخائر اليورانيوم المنضب المستخدمة ضد العراق، معززا ذلك بجدول يوضح كميات وأنواع الذخائر المنطلقة خلال عمليات عاصفة الصحراء. ويتناول التلوث الناجم عن مخلفات اليورانيوم المنضب في العراق، وتأثيرها على الناس وعلى المواليد الجدد في العراق، التي ظهرت منذ الأشهر العشرة الأولى من استخدامه ضد العراق، حيث لاحظ الأطباء العراقيون ارتفاع نسبة السرطان، ولم يكن معروفاً استخدام اليورانيوم المنضب. وقارنت طبيبة عراقية من البصرة، في رسالة الدكتوراه إياها، بين حالات السرطان وتشوه المواليد في العراق مع تلك الناجمة عن قنبلة هيروشيما، وقد ارتفعت نسبتها 70% اعتباراً من عام 1991.

ويشير الى استعراض العالم، روس ميركارمي، لصور لتشوهات ولادية غير مألوفة، ظهرت في العراق بعد حرب الخليج الثانية، والى إعلان العالم، سيغفرت هورست غونتر، عن وجود عدد كبير من المرضى بالسرطان، وخاصة اللوكيميا، في مستشفيات بغداد معظمهم من جنوب العراق، وأرجع ذلك الى إشعاعات وسموم قذائف اليورانيوم المنضب التي استخدمتها القوات الأميركية. بذات الوقت، ظهرت أمراض حرب الخليج على المحاربين الأميركيين.. وأفرد المؤلف حيزاً كافياً لتأثير استخدام اليورانيوم المنضب على البيئة في حرب الخليج الثانية، مؤكدا معرفة المسؤولين الأميركيين والبريطانيين بأخطار اليورانيوم المنضب، ولكنهم تجاهلوا الأمر بشكل متعمد والدليل على هذا صدور وثيقة من معهد سياسات البيئة للجيش الأميركي عام 1995، تعتبر اليورانيوم المنضب نفايات نووية ويجب دفنها في أماكن مرخصة. وذكر أدلة ميدانية كثيرة على تلوث البيئة العراقية وبيئة الدول المجاورة بتلك النفايات. الفصل العاشر والأخير، كُرس لاستخدام ذخائر اليورانيوم المنضب في حروب أخرى، كحرب أكتوبر عام 1973 بين مصر وإسرائيل، وحرب تحرير الكويت ( عاصفة الصحراء) عام 1991، وحرب البلقان في البوسنة عامي 1994 و1995، وحرب كوسوفو عام 1999، وحرب أفغانستان عام 2001، وحرب العراق عام 2003. وفصل في ذخائر اليورانيوم المنضب المستخدمة، والآثار الصحية التي نجمت عنها وشخصتها كل منظمة الصحة العالمية WHO والمركز الطبي لأبحاث اليورانيوم UMRC، بينما يواصل البنتاغون تجاهله لمخاطر وتداعيات سلاحه الفتاك، نافيا وجود أضرار له، تسترا على جريمة استخدامه، مكررا عدة مرات رفضه التخلي عن هذا السلاح، الذي يستطيع بأقل جهد ممكن اختراق الدبابات والتصفيح الثقيل وتدمير الأهداف. وهذا كل ما يهم البنتاغون، ولا يهمه دمار الإنسان والبيئة.

ولعل خير تكذيب لمزاعم البنتاغون، ما استعرضته خاتمة الكتاب من إجراءات اتخذتها وزارة الدفاع الأميركية بعد إصابة عدد كبير من المحاربين الأميركيين في حرب الخليج الثانية عام 1991 بأمراض حرب الخليج الناجمة عن استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب، ومنها قيامها بتدريب جنودها على كيفية حماية أنفسهم من اَثار اليورانيوم المنضب، وأعدت لهم التقارير الإرشادية Field Manuals اللازمة والمحتوية على قواعد السلامة والحماية، كارتداء الأفراد لملابس وقاية تمنع تعرض الجلد لغبار اليورانيوم المنضب، وأقنعة تمنع تنفس غباره، ووجوب بقاء الأشخاص عند اتجاه الريح لدخان متصاعد من مصفحات محترقة، وكشط التربة المحيطة بالدبابات المدمرة أو المحترقة، ووضعها في حاويات لإزالتها كنفايات نووية، وغير ذلك، علما بأن قوانين وزارة الدفاع الأميركية تعتمد على أنظمة هيئة التنظيم النووي Nuclear Regulatory Commission(NRC) الأميركية، التي تلزم بارتداء أقنعة تنفس، وملابس وقاية، عند التعامل مع تلوث اليورانيوم المنضب.