رغم انتقادات الفنانين التشكيليين المصريين الحادة لكتاب «الفن المصري الحديث 1910 ـ 2003» وكاتبته ليليان كرنوك، باعتباره «عملا لا يعبر عن حركة الفن التشكيلي في مصر، لتجاهله العديد من الآباء المؤسسين لهذا الفن، فضلا عن تجاوزه لمدارس وتجارب فنية ثرية لعدد كبير من رموز الفن التشكيلي»، برغم ذلك يبقى الكتاب الصادر عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، عملا توثيقيا لمجموعة من الفنانين اختارتهم المؤلفة وفق مزاجها الخاص، من دون أن تتبع منهجا علميا للاختيار سواء من حيث المدارس والاتجاهات الفنية أو الحقب الزمنية المختلفة. تبدأ الكتابة ليليان كرنوك المصرية المولد، الأرمينية الأصل، الكندية الجنسية والإقامة، كتابها عن الفن المصري الحديث بمقدمة من سبع صفحات، تحدثت فيها عن المشاق التي تكبدتها من اجل جمع مادة الكتاب من دون أن تقدم للقارئ أو المطلع مفاتيح واضحة تقوده في عملية القراءة او الاطلاع. وضمت المؤلفة في كتابها ستة عشر فصلا، منها سبعة فصول، سبق أن أصدرتها عام 1995 في كتاب منفصل سمته «الفن المصري المعاصر» لنفس الناشر!
وتعرض كرنوك في الفصل الأول من الكتاب، والذي وضعته تحت عنوان «الصحوة المصرية» 25 صورة تريد أن تقدم من خلالها فكرة عن الهوية المصرية وتعدد الأصول الاجتماعية التقليدية، تنتقل بعدها إلى مصر الحديثة بدءاً من الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 ونشأة الفنون الجميلة.
وتناول الكتاب أيضاً، محاولات قسم من المثقفين المصريين لنقل وتجديد واحياء الثقافة الفرعونية، من دون أن تذكر أن هذا الاتجاه ساد تلك الفترة هربا من ثقافة الاستعمار التركي «العثماني»، كما انها ربطت على سبيل الخطأ بين هذا الاتجاه لدى المثقفين المصريين، ومحاولات نظرائهم الأجانب الذين اهتموا بالكشوف الأثرية والفن المصري القديم والفنون الفرعونية. وفي الفصل الثاني «الكونيون» عرضت المؤلفة نماذج من الجيل الثاني من الفنانين التشكيليين المصريين، أمثال رمسيس يونان وكامل التلمساني وفؤاد كامل وغيرهم، مشيرة إلى محاولتهم الثورة علي الأساليب الشائعة، وتحولهم إلى التجريدية، كما أشارت إلى اتصالات السرياليين والتجريديين المصريين مع نظرائهم في أوروبا.
وتناولت المؤلفة في الفصل الثالث من كتابها، الذي جاء بعنوان «الواقعية الشعبية» الجيل الثالث من الفنانين، ملخصة هذا الجيل في عبد الهادي الجزار(1925 ـ 1965) وحامد ندا (1924 ـ 1990). لكنها لم تقيم أعمالهما تقييماً فنياً، واكتفت بسرد لمحات من تاريخ حياتهما، واستلهامهما الواقع الشعبي واستفادتهما منه، وتناست هنا فنانة مهمة هي عفت ناجي وتوظيفها للفن الشعبي والتراث ومحاولاتها المبكرة الخروج عن إطار اللوحة التقليدي في أعمال اقرب إلى الكولاج منها إلى التصوير.
وقفزت المؤلفة في الفصل الرابع «تصميم لمصر جديدة» للحديث عن العمارة ونشأة مصر الجديدة وعمارة حسن فتحي، المستمدة من البيئة مشيرة للعمارة النوبية، والعمارة في مصر الحديثة، من دون أن تذكر اسما واحدا لمعماري مصري!
وتعرضت في الفصول اللاحقة، من السادس حتى الفصل الحادي عشر، لموضوعات «الحداثة والفن التقدمي» و«العالمية والتجريد» و«ما قبل الحداثة ام ما بعد الحداثة» و«إحياء الفن الإسلامي» و«التجميعية في أساليب مختلفة».
ودار الفصل الثاني عشر حول حقبة نهاية الثمانينيات والتسعينيات، متحدثة باقتضاب شديد عن صالون الشباب الذي تأسس عام 1989، وقدم مئات الوجوه الشابة. لقد تجاهلت عشرات الفنانين واختارت نموذجا واحدا، هو احمد نبيل.
والأغرب من ذلك، إقحامها في الفصل الخامس عشر المصور الفوتوغرافي والرسام الفرنسي برنار جيو على الفنانين المصريين. وإذا اعتبرت الكاتبة هذا الفنان يدخل ضمن التجربة التشكيلية المصرية، بسبب اعماله عن مصر، فكان من الاولى أن تتحدث عن الفنان الفرنسي جولو والإنجليزي هيوساودن ومواطنه كوامي براين أو الأمريكية مارين روبنسون، الذين عاشوا فترات طويلة في مصر، وأن لا تتجاهل تجربة فنانة مثل مارجو فيون، التي أهدت مرسمها ومنزلها في المعادي بكل مقتنياته الفنية، إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة عقب وفاتها منذ عامين تقريبا، بعد أن عاشت نحو 70 عاما.
واختتمت ليليان كرنوك كتابها بفصل، هو اضعف ما في الكتاب عن الفوتوغرافيا والفيديو، واكتفت فيه بتقديم أربعة فنانين، متجاهلة العشرات ممن يشكلون علامات بارزة في هذا الفن، الذي أقيم أول معرض له بدار الفنون والصنائع المصرية عام 1923، كما نظمت جمعية محبي الفنون الجميلة، اول معرض للتصوير الشمسي عام 1933، عرضت فيه 598 صورة، وكان عدد المشتركين في المعرض 131 مصورا، منهم 67 مصريا، 64 أجنبيا.