متحف إسلامي عابر للقارات يعيد المسروقات افتراضياً

السبايا الأمويات يرجعن إلى أهلهن عبر الإنترنت

TT

حسرة العرب والمسلمين على آثارهم المنهوبة قد تصبح مضاعفة، بعد انطلاق مشروع «تحف بلا حدود» الذي صار حقيقة واقعة. فهذا المشروع الذي موله الاتحاد الأوروبي، عملاً باتفاقية برشلونة الموقعة عام 1995 لتعزيز الأمن والتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين البلدان المتوسطية، قد يبدو في الظاهر مجرد موقع إضافي مشرّع للمبحرين على الشبكة الأخطبوطية، لكن المتمعن في هذا المتحف الافتراضي المخصص للآثار الإسلامية، والذي يضع مقتنيات 14 دولة عربية وأوروبية إلى جانب بعضها البعض، يظهر بأسى مدى تشتت هذه الآثار، ويبين عظمة الماضي الذي يصلح لسكناه كبديل وحيد متبقٍ للأسف عن حاضر لا يعدو أن يكون افتراضيا هو الآخر. موقع ليس ككل المواقع، وفكرته مثيرة وقد تكون انعكاساتها كبيرة أيضاً.

في عام 1840 كشف علماء آثار أجانب، عن واحد من أهم القصور الأموية في بادية الشام، وهو قصر المشتى، القريب من العاصمة الأردنية. ويعتقد أن هذا القصر هو واحد من قصور الصيد العديدة التي انشأها الأمويون، وتحمل حنينا للصحراء التي آتوا منها. واهم ما اكتشفه الاثريون في هذا القصر هو واجهته القبلية، وارتفاع هذه الواجهة المبنية من الحجر الجيري، يزيد عن ستة أمتار، وتعتبر من بدائع الفن الإسلامي.

رغم جمال هذه الواجهة، إلا ان أي زائر يذهب لقصر المشتى الان، لن يجدها مع تماثيل أخرى وجدت فيه، والسبب، أنها نقلت إلى خارج البلاد، ولذلك قصة صغيرة، ولكنها قد تكون مؤلمة ولا تخص الأردن لوحدها. فأحد علماء الآثار الذين فتنوا بهذه الواجهة، لفت نظر القيصر الألماني غليوم إلى أهميتها وجمالها، فاهتم غليوم بذلك، واستطاع أن ينالها هدية من السلطان العثماني عبد الحميد في عام 1903، مثلما حدث لآلاف القطع الأثرية التي نقلت إلى متاحف العالم الغربي.

واستقرت الواجهة، والآثار الأخرى التي أخذت من القصور الأموية، في القسم الإسلامي من المتحف الألماني في برلين وكان ذلك عام 1932.

ولكن هذه الآثار الفاتنة، واجهت مخاطر كبيرة في مقرها الجديد في برلين، مع هبوب رياح الحرب العالمية الثانية، وادرك ذلك الدكتور كونل، مدير قسم الآثار الإسلامية، فحصن هذه الآثار ووضع حولها أبنية خشبية ومتاريس من الرمل، مدركا أنها من انفس الآثار الموجودة في متحف برلين، ولم تحل هذه الإجراءات من سقوط قذيفة للحلفاء هدمت جزءا من الواجهة البديعة، والتي عني علماء الآثار الألمان بترميمها فيما بعد.

هذه الواجهة وغيرها من الآثار الإسلامية، التي أصبحت أساسا للمتحف الإسلامي في برلين فيما بعد، "عادت" إلى أصحابها الأصليين، ولكن بطريقة مبتكرة، في العالم الافتراضي الذي يوفره الإنترنت وضمن مشروع متحف بلا حدود. واصبح بإمكاننا رؤية النساء الأمويات، من خلال تماثيلهن التي نقلت كـ "السبايا" إلى برلين، في القرن الماضي، على أمل أن تعود في يوم من الأيام إلى القصور التي انتزعت منها، في مفاصل زمنية فارقة، حيث أهدى من لا يملك هذه الآثار إلى من لا يستحقها.

افتتح "متحف بلا حدود" على الإنترنت (www.discoverislamicart.org)، بدعم من الاتحاد الأوروبي، ومنظمات أخرى، بعد اكثر من عام من الجهود، شاركت فيها متاحف من 14 دولة أوروبية وعربية.

ويعرف المشروع نفسه بأنه "منظمة ذات برنامج مبتكر وخلاق تهدف إلى تأسيس متحف ضخم عابر للحدود الإقليمية للدول، بغرض عرض الأعمال الفنية والعمارة والآثار ضمن بيئتها التي صنعت فيها أصلاً. وبوحي من مبدأ تنظيم المعارض دون نقل الأعمال الفنية، ويقوم متحف بلا حدود بخلق بعد جديد ومثير للمتاحف باستخدام التقنيات الحديثة، ويدعو الزائر لتجربة المتحف ليس فقط كمكان للاستمتاع بالمعروضات بل أيضاً كبوابة إلى الأعمال الفنية في متاحف أخرى، وإلى المواقع الأثرية والمعالم المرتبطة بالمعروضات".

ويضم المتحف الافتراضي الذي بدأ الترويج له في بعض الدول مثل فلسطين، أعمالا فنية قدمتها متاحف وطنية في عدة دولة مثل الجزائر، والنمسا، وكرواتيا، وجمهورية التشيك، ومصر، وألمانيا، وهنغاريا، وإيطاليا، والأردن، والمغرب، وفلسطين، وبولندا، والبرتغال، وسلوفانيا، وإسبانيا، والسويد، وسوريا، وتونس، وتركيا، والمملكة المتحدة.

والترويج تم بإقامة معارض "حقيقية" على ارض الواقع تضم صورا من القطع المعروضة على الإنترنت، وللتشجيع على دخول المتحف عبر الشبكة العنكبوتية.

وما يجمع المعروضات انتماؤها للفن الإسلامي عبر اكثر من 1300 عام، ولتراث حضاري يتعلق بأوروبا وشمال أفريقيا، ولا تقتصر المعروضات على القطع الفنية ولكن أيضا على أبنية ومواقع أثرية من أوروبا ومنطقة البحر المتوسط.

وينقسم المعرض إلى قسمين، الأول وهو المجموعة الدائمة للمتحف وقاعدة بياناته تتضمن حالياً 850 قطعة أثرية من 42 متحفاً و 385 موقعاً أثرياً من 11 دولة، أما القسم الثاني فهو لم يبدا العمل به بعد، ويتعلق بما يطلق عليه "المعارض المؤقتة". وسيتم البدء بهذا القسم في ربيع عام 2007، وفكرته تتلخص "برؤية القطع المختلفة التي قدّمها كل متحف للمجموعة الدائمة المشتركة بشكل مستقل عن المجموعة، كما يسمح بالتعرف على المتاحف الشركاء".

ولا تخلو اهداف المتحف من "شبهة" سياسية، فمنظموه يرون انه يسعى "إلى تعزيز التكامل الثقافي كوسيلة لتسهيل التعاون السياسي بين البلدان والثقافات المختلفة، وذلك عبر رفع الوعي بالتراث الفني والحضاري وتشجيع الاستثمار في مشاريع الصيانة والترميم".

ولا يشكل ذلك غرابة، ف"متحف بلا حدود" هو في واقع الأمر، أحد مشاريع اتفاقية برشلونة الموقعة عام 1995 لتعزيز الأمن والتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين البلدان المتوسطية.

وفي حين انه من الصعوبة تجميع كل هذه المعروضات في متحف على ارض الواقع، فان فضاء الإنترنت كان الأنسب. ولكن المهمة لم تكن سهلة، وان كانت النتائج باهرة، فالمتحف يعطي للزائر فرصة حقيقية "للتعلم والاستمتاع بالتراث الحضاري بطريقة جديدة ومبتكرة", ويجمع “البرنامج وبتناغم بارع بين أعداد كبيرة من الأكاديميين والمختصين والمصورين ومديري السياحة والسياسيين، إضافة إلى العديد من الأشخاص والمنظمات المشاركة في هذا المشروع المبتكر".

ويوفر المتحف للمهتمين، فرصة حقيقية وثمينة، للاطلاع على نماذج مختلفة من القطع الفنية الإسلامية. والمثير أن الباحث يستطيع أن يقارن مثلا بين آثار قصر المشتى البديعة التي يعرضها متحف برلين، وأخرى شبيهة يعرضها المتحف الأردني عن قصير عمرة الأموي في الصحراء الأردنية، واثار أموية أخرى قدمها المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى المبارك بالقدس.

ولا يستطيع الزائر للمتحف أن يرى خلال زيارته الأولى كل شيء، لان العدد المعروض كبير جدا ويناهز 1350 قطعة، ولكن هذا لا يشكل عائقا، لانه باستطاعته العودة إلى عنوان المتحف على الإنترنت في أي ساعة تناسبه ليلا أو نهارا.

ويستخدم المتحف اللغات العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، ولكن ليس بشكل متساو، فبعض المعروضات يوجد شرح عنها بلغتين أو اكثر، في حين أن ذلك لا يتوفر لمعروضات أخرى، وأيضا لم تحظ القطع المعروضة بفرص متساوية من حيث الشرح والتوضيح، ويبدو أن ذلك لم يخضع لمعيار فني معين، ويعتقد انه ربما يعود إلى قصور لدى العاملين في بعض المتاحف وخصوصا من الدول العربية. ويلاحظ أن بعض الدول العريقة في مجال الفن الإسلامي، لم تقدم افضل ما لديها مثل مصر، في حين حالت الظروف دون أن تقدم دول أخرى نفائس الفن الإسلامي مثل فلسطين، لان هذه النفائس تقع في متاحف تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، مثل المتحف الفلسطيني بالقدس المعروف باسم (متحف روكفلر) والذي سيطرت عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب حزيران (يونيو) 1967.

وإضافة إلى أهمية المتحف الافتراضي البالغة، فان ميزته، ربما تكمن في تجديده المستمر من حيث القطع المعروضة، وزيادة الخدمات المقدمة للزائرين، والمعلومات حولها، وإضافة معلومات تاريخية عن كل مجموعة متشابهة أو كل قطعة إن أمكن.