كارين أرمسترونج لـ الشرق الاوسط: على الغرب أن يبدأ فوراً حواره مع الجماعات الإسلامية كي لا يقع في ورطة

كاتبة بريطانية تدين الغرب وتتهمه بالتجني على الإسلام

TT

الباحثة الإنجليزية كارين أرمسترونج، كتبت كثيراً عن الإسلام، وتعمقت في المقارنة بين الأديان. وقد وجدت بعض كتبها المترجمة إلى العربية صدى كبيراً بين قراء الضاد، لأنهم وجدوا في كلماتها صوتاً مختلفاً عن ذاك الذي تعودوه من الغرب. بدأت حياتها راهبة كاثوليكية، لكنها خرجت من الرهبنة بعد تجربة سبع سنوات إلى فضاء الأديان بانفتاح على الآخر، ورغبة في فهم المختلف. حوار «الشرق الأوسط» مع أرمسترونج لم يذهب إلى الوراء ولم يتوغل في التاريخ، وإنما فضلنا أن نسمع قراءتها للراهن العصي الذي يشغلنا ويشغلها هي أيضاً.

نصحت الكاتبة البريطانية المعروفة كارين أرمسترونج الحكومات الأوروبية وأميركا، بالبدء فوراً في حوار جاد مع الجماعات الإسلامية، وفهمها جيداً، حتى لا يتكرر ما حدث مع إيران. وتوقعت أرمسترونج المعروفة بدفاعها عن الإسلام أن يشجع الصعود السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر العديد من الإسلاميين في العالم العربي على خوض الانتخابات، مشيرة إلى أن هذا هو ما سيجعل الغرب في ورطة في تعامله مع الشرق الأوسط.

ولم تستبعد صاحبة كتاب «محمد» في حوار أجرته معها «الشرق الأوسط» على هامش زيارة لها مؤخراً للقاهرة، أن: «نفاجأ بعد عشرات السنين بأن العالم العربي أصبح يحكم عبر الإسلاميين»، وطالبت لمواجهة ذلك بضرورة التوصل إلى أرضية مشتركة وأن يتعامل الغرب مع الجميع، من منطلق أننا نعيش في عالم أصبح يتطلب منا التعاون لمواجهة الكثير من الكوارث.. وهنا نص الحوار:

> ما رأيك في الاتهامات التي وجهت إلى المذهب الوهابي عقب هجمات سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك؟

ـ المذهب الوهابي بريء من العنف، وكثيرون يسيؤون فهمه، وأنا أعترض بشدة على هذه الاتهامات التي تستند إلى أن أغلب منفذي هجمات سبتمبر كانوا من السعودية التي تتبنى هذا المذهب، لأن الغالبية الكاسحة من الوهابيين لم يرتكبوا أي جرائم إرهابية. والكلام عن أن مناهج التعليم في مصر والسعودية والدول الإسلامية وحدها تحتاج إلى التغيير، هو غير منطقي، وأقول إن مناهج أميركا وأوروبا تحتاج إلى حذف كل ما يسيء إلى الإسلام والمسلمين والنبي محمد. وأنا أتصور أن حالة الاحتقان التي يعيشها المجتمع الأميركي في الآونة الأخيرة ساهم فيها بشكل رئيسي الرئيس بوش، فهو القائل بأنه تلقى الوحي من السماء عندما سئل عن دوافع غزوه للعراق، كما أنه استخدم عبارة الحروب الصليبية وكأن المسألة هي حرب بين الغرب والإسلام.

> كيف ترين مستقبل الإسلام في الغرب وسط الاحتقانات المتزايدة؟

ـ لا يستطيع أحد التنبؤ بما سيحدث في المستقبل، لكن علينا أن نفرق بين أوروبا وأميركا لأسباب دينية. فالمجتمع الأميركي أكثر تعصباً أو قرباً للدين من أوروبا التي تعتبر علمانية، كما أن الموقف في أميركا يتصف في بعض الأحيان بالخطورة الشديدة، ذلك لأن أحداث 11 سبتمبر، أدت إلى ردود فعل عكسية ضد المسلمين الأميركيين الذين يعتبرون ثاني أكبر جالية إسلامية بعد الهند، كما أن ظاهرة الأصولية المسيحية تنتشر بشكل كبير في أميركا خلافاً لأوروبا، ولكن على الرغم من وجود شعور بالعداء والغضب الشديدين لدى النخبة والرأي العام، فإن أحد أهم الأشياء التي لمستها خلال فترة وجودي في الولايات المتحدة منذ سبتمبر الماضي وحتى الآن هو الرغبة الشديدة في معرفة الإسلام والثقافة الإسلامية لدى الأميركيين. فقد بيعت أعداد هائلة من الكتب التي تتناول موضوعات متعلقة بالإسلام والمطلوب منا البحث عن طريق لتقديم نظرة إيجابية عن الإسلام لا تقتصر على الجدل دفاعاً عن الإسلام فحسب، بل يجب العمل على تغيير الصورة النمطية لكل من الجانبين عن الآخر. فوسائل الإعلام تنشر صوراً بقصد الإساءة، مثل رجل الدين الذي يريد ذبح رهينته بالسيف، وعلى الجانب الآخر صور معتقل غوانتانامو وأبي غريب، ولذلك فمن الضروري تقديم وابتكار صور مختلفة لعرض الإسلام على الآخرين.

> في رأيك ما هي أسباب عداء الغرب للإسلام؟

ـ علينا أن نتذكر أن الاتجاه العدائي ضد الإسلام في الغرب هو جزء من منظومة القيم الغربية، التي بدأت في التشكل مع عصر النهضة والحملات الصليبية وهي بداية استعادة الغرب لذاته الخاصة مرة أخرى. فالقرن الحادي عشر كان بداية لأوروبا الجديدة وكانت الحملات الصليبية بمثابة أول رد فعل جماعي تقوم به أوروبا الجديدة، وكان الإسلام هو العدو وكره الأوروبيون الإسلام مثلما يكره الناس في العالم الثالث أميركا الآن.

> لكن هذا العداء تزايد للإسلام والمسلمين في بريطانيا بخاصة عقب تفجيرات لندن وتغيرت النظرة لمرتكبي الحوادث حيث إنهم عاشوا في بلد ديمقراطي وليس في الشرق الأوسط؟

ـ جميعنا كنا نتوقع ذلك نظراً لأن السياسة الخارجية البريطانية تجاه العراق وفلسطين تتبع واشنطن، ويبدو أن التجاهل داخل المجتمع البريطاني دفعهم لذلك لكن السياسة الخارجية هي السبب الرئيسي حيث أن الغالبية العظمى من الأوروبيين والبريطانيين كانوا ضد الحرب على العراق وهو ما يعطي دليلا واضحاً على حالة الاختلاف الكبيرة بين الوضع في أميركا وأوروبا، وعدم خضوع البريطانيين لتأثير وسائل الإعلام الأميركية التي تتبنى سياسات ضد المصالح الخاصة بالشعوب وفي بعض الأحيان تثير العداء.

> كيف يمكن تصحيح النظرة والمفاهيم المغلوطة في الغرب حول الإسلام والمسلمين؟

ـ على الغرب أن يحذف من مناهجه كل ما يسيء للإسلام. فعلى سبيل المثال القرآن الكريم منح المسلمين مهمة تاريخية تتمثل في خلق مجتمع عادل يحظى كل أفراده بنفس القدر من القيمة والاحترام. وخبرة تأسيس مثل هذا المجتمع والعيش فيه، منحت المسلمين جوهر الحياة الدينية الذي يعني أن شؤون الدولة لا تنفصل عن الشؤون الروحية عند المسلمين، وكذلك القرآن يحرم العدوان، ولا يسمح بالحروب، إلا دفاعاً عن النفس، ويؤكد أن القيم الإسلامية الحقيقية هي السلام والمصالحة والعفو. وكلمة «الجهاد» لا تعني الحرب المقدسة كما يعتقد البعض في الغرب، وإنما الكفاح والجهد، والمسلمون مأمورون ببذل محاولات واسعة على جميع الجبهات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعرقية والروحية لتنفيذ مشيئة الله. الجهاد قيمة روحية لأغلب المسلمين لا ترتبط بالعنف. والإسلام ليس دين سيف كما قيل لنا ونحن صغار، ولقد كتبت مقالاً في إحدى الصحف اللندنية عقب هجمات سبتمبر2001 في واشنطن ونيويورك برأت فيه «الفكر الوهابي» من خيارات تنظيم القاعدة وميله إلى عسكرة مواجهته الأيديولوجية مع الغرب المسيحي. حيث إن أسامة بن لادن زعيم القاعدة ـ بحسب ما جاء في المقال ـ لم يتأثر بالوهابية، وإنما تأثر بكتابات المفكر الإسلامي المصري سيد قطب الذي أعدم عام 1966في عهد النظام الناصري في مصر، مستنتجة من ذلك ميل بعض المراقبين إلى استخدام مصطلح «الإرهاب القطبي»، لوصف أعمال العنف التي قام بها من اتبعوا أفكاره. لذلك فنحن أيضاً في حاجة إلى إصلاح المناهج، جميعنا يحتاج إلى الإصلاح.

> البعض يرى أن تصاعد الأصولية في العالم العربي وراء موجة الكراهية للعرب في أوروبا وأميركا، كيف ترين ذلك؟

ـ الأصولية موجودة في كل مكان في أميركا أكثر منها في أوروبا، وكذلك في الهند وفي الشرق الأوسط، لكنها أقل في أوروبا. وفيما يتعلق ببعض أعمال العنف ضد المهاجرين والعرب فغالبية من يرتكبها جماعات علمانية متطرقة. وعن أسباب الكراهية فأنا أتفق تماماً مع ما جاء في تقرير التنمية البشرية العربية حيث يعاني الكثيرون في الدول العربية من العيش في ظل أنظمة ديكتاتورية مسنودة من قبل أميركا وبريطانيا على مدى عشرات السنين، وكذلك البطالة وغيرها من المشاكل، وهو ما يدعو الناس وليس العرب وحدهم إلى البحث عن شيء لتحقيق ذاتهم، والخطورة أن يتوجه هؤلاء إلى الإرهاب والتطرف.

> كيف ترين صعود المد الإسلامي سياسياً في بعض الدول العربية في الآونة الأخيرة مثل الإخوان في مصر، وحماس في فلسطين، وغيرها؟

ـ أنا أعلم أن الإخوان المسلمين لهم تاريخ ارتبط في الماضي ببعض التعصب ولهم سجل تراجيدي لكن كل هذا تغير الآن، فهم يتبنون أفكاراً أكثر اعتدالا والقضية الأساسية هي أن الغرب لا يعرف الكثير عن الإسلام لذلك لا يعرف تاريخ الحركات الإسلامية، لذلك لا بد من الحوار مع هذه الجماعات من أجل خلق أرضية مشتركة، ولكي لا يجد الغرب نفسه في ورطة في التعامل مع الشرق الأوسط.