عندما يمسخ المخرج سيناريو لم يكتبه

«حلم منتصف الظهيرة» هل تحول إلى كابوس؟

TT

سيناريو «حلم منتصف الظهيرة» لاقى رواجا كبيرا قبل عرضه، وتناقله الكثيرون لتميزه واعتباره واحدا من أفضل السيناريوهات، لقدرته على طرح فكرة عميقة من صلب حياتنا اليومية، بأسلوب بسيط مرمز.

استطاع المخرجون السوريون غالبا، كتابة أفلامهم انطلاقا من تصوراتهم السينمائية، لكل مشروعه ورؤيته ومبرراته، بعضهم يعتقد أنه الأقدر على تجسيد فكرته على صعيد السيناريو، ومن ثم الصورة والشكل السينمائي، وبعضهم الآخر يتذرع بافتقار السينما السورية إلى كتاب السيناريو ووجود أزمة في النص. لكن ماذا إن وجد النص؟ هل يعتبر عدم اعتياد مخرجي السينما السورية على وجود كاتب سيناريو لفيلمهم، سبباً في التدخل والتغيير، بل نسف السيناريو ومسخه؟ كما حدث في الفيلم الروائي القصير «حلم منتصف الظهيرة» لكاتبته يم مشهدي، ومخرجه غسان عبد الله. كان نص السيناريو قد لاقى رواجا كبيرا قبل عرضه، وتناقله الكثيرون لتميزه واعتباره واحدا من أفضل السيناريوهات، لقدرته على طرح فكرة عميقة من صلب حياتنا اليومية، بأسلوب بسيط مرمز، قوامه التركيز على التفاصيل ودلالاتها دون «فذلكة» أو ادعاء، وإثارة مجموعة تساؤلات حول ماهية أحلامنا؟ وأي حياة نعيش اليوم؟ وإلى أين وصلنا؟

بين الحلم واليقظة، الوهم والحقيقة، بين واقع الحياة اليومية المرير ورغباتنا البسيطة.. ثنائيات ومفارقات كان من المفترض أن توجد في فيلم «حلم منتصف الظهيرة» للناقدة والصحافية يم مشهدي، والإعلانات التي أثارت مخيلة الواقفين أمامها، وحلمهم في عيش حياة الإعلان الرغيدة الهانئة والمتناقضة مع حياتهم، التي جعلت أحدهم يتمنى لو كان بديلاً للبقرة في دعاية الزبدة الشهيرة. مفارقات استطاعت الكاتبة تحقيقها سواء من خلال الشخصيات المتعددة بشكل عام، أو تفاصيلها على وجه التحديد. كما أن كل مشهد له علاقة بالحلم، كان يبدأ من العتمة، وينتهي بها من خلال شعر متألق لامرأة أو رجل. والصحوة من الحلم برشقة ماء، تأتي كالصفعة تعيدهم إلى الواقع.

ورغم كثرة التفاصيل، إلا أنها لم تكن مجانية، بل أوحت بطبيعة الشخصيات ورغباتها ووضعها الاجتماعي... وحلمها البسيط، وهنا تكمن المفارقة من اقتصار الحلم على بيت جميل وطبق طعام وابتسامة زوج، وبعض ما يؤمن لبقرة..؟ بالتالي أي حياة تلك التي سنؤمن عليها؟

هذا ببساطة ما أرادت الكاتبة مشهدي قوله، فهل استطاع المخرج إيصال الفكرة، وتصوير ما كتب؟ خصوصاً أن السيناريو رسم صوراً واضحة ومشاهد مدروسة. أم أنه كان قاصراً لدرجه فهمه للنص بطريقة مختلفة؟

وهنا كانت المفارقة، عند العرض ظهر على الشاشة فيلم مختلف تماما، كسر أفق أي توقع، فصور الفيلم مصرفا للتسليف يمنح قروضاً للمنازل، انتقل فوراً إلى العائلة على مائدة الطعام، كما استبدل السيارة الأمريكية ودلالاتها بسيارة فرنسية، وطبعاً سبقها حلم أحدهم بركوب مثل هذه السيارة، وانتهى الفيلم بحفل زفاف نكتشف أنه إعلان لعطر «إغراء» للحصول على الرجل المناسب!!

ربما ارتأى المخرج فكرة أخرى، اعتبرها أهم من وجهة نظره فنسف الأصل، وكتب سيناريو آخر مختلفاً، صوّر من خلاله، وحسب ما صرّح لنشرة مهرجان دمشق السينمائي في عددها الثالث، إعجاز الإعلان التجاري وتأثيره على المشاهد، وطرح مسألة جدوى أن يمارس الإنسان حلم اليقظة. مما أثار تساؤل أغلب المتفرجين، إن كان هذا ذات النص، ودفعهم ذلك إلى تبادل السيناريو لإثبات مدى تفوقه واختلافه.

يسجل للمخرج انه وعى ما قام به من تغييرات، وإعادة كتابة تختلف كلياً عن السيناريو الأصلي، بل تعتبر «النسخة الرخيصة» منه، واحترم الكاتبة عندما اكتفى بذكر اسمه (فيلم لـ: غسان عبد الله)، وأخفى اسمها ليظهر مصغّراً بعد اسم مدير الإنتاج. وهي لفتة ذكية خدم بها المخرج الكاتبة، إذ هي لا تستحق أن يوضع اسمها على الصيغة النهائية للفيلم. فهو لم يستشرها في أي تغيير، رغم أنها حية ترزق وفي نفس المدينة، ربما لأن التركيز لم يكن على مضمون الفيلم، بقدر ما سمّاه المخرج، تطوير التعاون الإنتاجي والتقني والفني ولقاء الثقافتين العربية والأوروبية، وأضاف كما ذكر في النشرة «إن مشاركة فنيين بريطانيين في العمل، يؤدي إلى ميزات أهمها إضفاء بعد فني وتقني مختلف على الفيلم، كما يؤدي العمل المشترك إلى تلاقح وإغناء خبراتنا الفنية المحلية، وتعويد كوادرنا على تجربة العمل مع كوادر أجنبية». لكن أين هو البعد الفني المختلف في الفيلم، إن وجد بعد فني أصلاً؟ ثم هل الخبرات والكوادر الأجنبية، التي يجب أن نعتاد العمل معها متمثلة في طلاب لم ينهوا دراستهم بعد في بلادهم؟ وأي خبرة تلك التي لم تتكون بعد، ويتلهف غسان عبد الله إلى التلاقح معها؟ ربما يحق لأي مخرج جاء يحمل شهادته أن يحظى بفرصة في بلده، تحدد مستواه الفكري والفني، وتكون إما بدايته أو نهايته، لكن هل يعني هذا أن تكون كبش الفداء سيناريوهات، تمنينا منذ زمن ظهور مثلها على شاشتنا الفضية؟