عيد ينّاير.. معركة «الحواسم» الفرعونية ـ الأمازيغية

2956 بدلا من 2006

TT

احتفلت الجزائر ومعها كامل دول المغرب العربي يوم 11 يناير الجاري بعيد «ينّاير»، الذي يعدّ تراثا ضاربا في التاريخ الأمازيغي للمنطقة، ويحفظ ذكرى معركة فاصلة مكّنت الأفارقة الشماليين من إيقاف الزحف الفرعوني، كما سمحت بإعادة المملكة الفرعونية ذاتها وتدمير المملكة الإسرائيلية في القدس القديمة.

كان ذلك قبل قرون ساحقة في القدم. الملك الفرعوني يسيطر على إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، تجري من تحته الأنهار، له الأرض و«ما استطال من سماء» و«ما بينهما من إنس وماء»! يمتد في شمال القارّة الإفريقية وجنوبها فلا يجد عائقا، بينما يسود الغضب القبائل الأمازيغية المتنقلة داخل هذه الأراضي لما تراه من استبداد الفراعنة وسكوت الجيران عن حربهم خوفّا من التقدّم العلمي الرهيب لصناعاتهم السلاحية. كان الوقوف بوجه الفرعون يومها أشبه بحرب تجري بين قبائل «الزولو إيناكاتا» والـ«الأف 16» الأميركية. ورغم هذا، فإن كل القبائل ذات الأصل الأمازيغي وحدّت قواها في جيش قاده الزعيم المعروف «شيشنق»، هذا الرجل الذي حارب تحت رايته أمازيغ ليبيا وتوارق الجزائر وشلوح المغرب ومشوش تونس، وكانت الواقعة المختلف في شأن مكانها، البعض يقول إنها تمّت بأعالي جبال تلمسان الجزائرية والبعض يقول عند نقطة لقاء الحدود الجزائرية ـ الليبية ويصرّ آخرون على تونس كمكان مفترض للمعركة الكبرى، التي كتب لها أن تغيّر شكل التاريخ القديم، حيث سقطت «إمبراطورية الشرّ» الفرعونية تحت الضربات الباسلة للفرسان الأمازيغ. ولم يكتف «شيشنق» بتأديب الفراعنة، بل سار نحو عاصمتهم المصرية فأزال ملكهم، وتزوّج بأميراتهم وكان مؤسّس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين، كما مدّد حكمه إلى «مملكة يهوذا» القديمة بفلسطين، فحطّم أسوارها سنة 920 قبل الميلاد، وبسط حكمه على القبائل اليهودية لغاية الغزو الآشوري سنة 721 قبل الميلاد.

هذا البطل الأمازيغي ذو الأصل الليبي شكل طفرة غير معهودة في تاريخ «منطقة الشمال» الافريقية، التي يعرف عن سكانها الابتعاد عن النزعة الاستعمارية والرغبة في العيش الحرّ. وهو ما تدلّ عليه تسمية أمازيغي، التي تعني في اللهجة المحلية «الرجل الحرّ». لكن يبدو أن سطوة الفراعنة هي التي أخرجت الشعب المسالم عن طوره ودفعته إلى التحرّك شرقا ليختلط بالفراعنة ويساهم في صناعة جزء من تاريخهم الزاهر.

ويبدو أن الآثار الجيو ـ استراتيجية للمعركة إياها، هي التي حملت الأمازيغ على اتخاذ تاريخ هذه المعركة عيدا سنويا يحيونه بطرق متعدّدة، انطلاقا من عهد الملك «شيشنق الثاني» منذ 2956 سنة خلت، ففي ليبيا يكون الاحتفال بالامتناع عن أكل اللحم وإشعال النيران، أكثر من ذلك انهم لا يغسلون أدوات الطبخ، طلبا للبركة!

ويطهو أمازيغ ليبيا بالمناسبة أكلة اسمها (تمغطال) وهي «كوكتيل» ضخم من البقوليات، يتم تجهيزها من اليوم السابق لموعد رأس السنة، ويبدو أن الإلحاح على البقوليات كمكوّن أساسي من مكونات طعام رأس السنة يرتبط بالرغبة في تخليد النصر على الفراعنة، الذين اشتهرت بلادهم بالبقوليات. أما في الجزائر فالطبخة الرئيسية هي الدجاج و«الكسكسي» الأكلة الأكثر شعبية في البلد. هذا هو أصل الاحتفال السنوي، الذي تحتضنه دول الشمال الافريقي ويدوم سبعة أيّام، وقد ترسّبت فوقه بمرّ السنوات الكثير من الأساطير، التي تربطه بأصل غير أصله التاريخي المعروف، كتلك الأسطورة الجزائرية، التي تقول أن شهر «يناير» قد طلب من شهر فبراير، التخلي له عن أحد أيّامه بعد أن تحدّته إحدى العجائز الشمطاوات بالخروج مع عنزاتها الصغيرات وطهو طعامها خارج البيت، في عزّ برده وصقيعه، فما كان منه إلا أن قال لعمه فبراير «يا عم فبراير أعرني ليلة ونهارا، كي أقتل العجوز المتفوهة بالعار». وكان أن تخلى فبراير عن يومين من عمره لصالح يناير الذي جمّد العجوز وعنزاتها، وإلى الآن توجد بمنطقة جرجرة ـ بالقبائل الكبرى شرق العاصمة الجزائرية ـ صخرة تدعى «صخرة العجوز والعنزات» حيث يمكن ملاحظة صخرة ضخمة تشبه عجوزا تحلب معزاتها، وبقربها بعض صغار الماعز.. يتحدّث الكثيرون عن «صدفة جيولوجية» غير مرتبة من طرف أحد غير الطبيعة، ويتحدّث كثيرون عن «تعسّف في النظر» لنتوء صخري طبيعي.. بين هذا أو ذاك، المهم أن أمازيغ الشمال الافريقي احتفلوا بعام 2956، وفق تقويمهم الخاص، سواءً صنعته سيوف «شيشنق» أو حماقة عجوز تحبّ التزلج على الجليد!

الصورة مع التعليق ترسل غداً