في وقت يواجه فيه «المحافظون الجدد» هجمات يومية تقريبا من جانب تحالف يضم جميع المستائين من رئاسة بوش، ربما يعتقد المرء بأن النزعة المحافظة الجديدة
هي آخر منتج يرغب أي واحد بتسويقه الى أي مكان آخر. غير أن امامنا هنا واحد من النجوم اللامعين للنزعة المحافظة البريطانية وهو يقدم كتابا بأسره
ليطرح علينا مثل هذا المنتج على وجه التحديد
بينما اختار المحافظون البريطانيون زعيما جديدا فإنهم قد يرغبون في القاء نظرة على ما يقدمه هذا الكتاب، الذي ألفه دوغلاس موراي، لملء ما يرى أنه فراغ آيديولوجي للحزب.
ويؤكد موراي بكثير من القناعة على أنه «اذا ما تمكن حزب المحافظين من تبني النزعة المحافظة الجديدة (وهي افضل امل للمحافظين الجدد في بريطانيا، لتحقيق تأييد واسع للحزب) فإنه قد يتجاوز عندئذ حالات السكون التي يعاني منها الآن».
ولكن ما هي النزعة المحافظة الجديدة، وبأية طريقة تختلف عن وجهة النظر التقليدية المحافظة عن العالم التي هيمنت في عالم السياسة البريطانية خلال كثير من القرنين الماضيين؟
وفقا لموراي فإن «النزعة المحافظة الجديدة هي وجهة نظر سياسية للتعامل مع العالم». وفي الحالة الملموسة لبريطانيا تقدم «اجابات اخلاقية وعملية للضيق الذي تعاني منه السياسة البريطانية ككل، وليس حزب المحافظين حسب».
ويبدأ موراي بالاشارة الى أن التقسيمات السياسية الكلاسيكية المعتمدة على مفاهيم اليمين واليسار عفى عليها الزمن، على الأقل في المجتمعات الديمقراطية لأسباب عدة بينها ان هناك اجماعا على القواعد الأساسية للعبة السياسية والنظام الاقتصادي العام للمجتمع. غير أن طمس الفوارق بين اليمين واليسار لم يكن ايجابيا على الدوام، ذلك انه عزز النسبية الأخلاقية، وهي ذاتها وليدة التعددية الثقافية التي ترفض فيها مفاهيم الخير والشر، باعتبارها من بقايا العصور الوسطى.
ويعتقد موراي ان الخير والشر قائمان كصيغتين متميزتين ويمكن تشخيصهما بسرعة من قبل كل من يمتلك نظام قيم. وهكذا فإن المهمة الرئيسية للسياسة تصبح تشخيص الخير والشر كمقدمة لتعزيز الأول ومكافحة الأخير. وتعتبر النزعة المحافظة الجديدة، بعيدا عن كونها مؤامرة من جانب اليمينيين الذين يرغبون في اخضاع العالم أو اعادة تشكيله، رؤية تعتمد على تراتب قيم. وكانت في حالة نضوج قبل فترة طويلة من دخول جورج دبليو بوش البيت الأبيض عام 2001 وستكون، كما يؤكد موراي، لاعبا أساسيا في السياسة الدولية بعد أن يتقاعد.
ويبدأ موراي بمسح لافت للأنظار لأعمال المفكرين الأساسيين الذين بدأوا اتجاه المحافظين الجدد في النصف الثاني من القرن الماضي. فهو يقدم ليو شتراوس، أستاذ السياسة في جامعة شيكاغو الذي درب الجيل الأول من المحافظين الجدد في خمسينات القرن الماضي. ثم نلتقي بالن بلوم الذي كان أول من حذر من مخاطر النسبية التي ينسب فيها لأسوأ الأنظمة الاستبدادية الاخترام ذاته، الذي ينسب لأكثر الديمقراطيات تقدما، وكل ذلك باسم التعددية الثقافية. وبعد ذلك نجد ايرفنغ كريستول الذي كان، ربما أكثر من أي واحد آخر، مسؤولا عن تحويل النزعة المحافظة الجديدة من طريقة فلسفية الى برنامج سياسي عملي.
وكما يمكن توقعه فإن موراي مدافع متحمس عن الحروب في افغانستان والعراق. وهو يعتقد أن طالبان ونظام البعث، كانا شرا وتعين إطاحتهما لصالح قوى الخير في افغانستان والعراق، لتوفير فرصة بناء شيء مختلف. وقد لا يتوافق ذلك الشيء المختلف مع مثال الغرب للديمقراطية. ولكن شيئا واحدا يمكن أن يكون مؤكداً، وهو ان الأنظمة الجديدة في كابل وبغداد هي افضل من تلك التي حلت محلها.
ويظهر موراي ان النزعة المحافظة الجديدة لا تقصر نفسها على قضايا السياسة الخارجية. ففي قضايا السياسة الداخلية تسعى النزعة المحافظة الجديدة الى العودة الى المبادئ الأساسية للرأسمالية، وهي النظام الوحيد في التاريخ الذي انتج ثروة دائمة، على المستوى الفردي والجمعي، في الكثير من المجتمعات المتنوعة ثقافيا.
ويتساءل موراي عن سبب اثارة النزعة المحافظة الجديدة الكثير من الغضب والكراهية في مختلف أنحاء العالم؟ لقد جاء بعض ذلك الغضب والكراهية من الحكام المستبدين والطفيليين الملازمين لهم ممن يشعرون بأنهم مستهدفون بفكرة تغيير النظام. انهم يكرهون النزعة المحافظة الجديدة لأنهم يخشون أن تطيحهم، كما فعلت مع طالبان وصدام حسين، أو قد ترغمهم على وضع مذل، كما فعل القذافي وحكام السودان العسكريون والبعثيون في دمشق.
ولكن المحافظين الجدد مكروهون ايضا من جانب بقايا اليسار الذين لم يشفوا حتى الآن من صدمة الانهيار المفاجئ للاتحاد السوفييتي. وهم يلقون باللوم على المحافظين الجدد الأوائل تحت قيادة رونالد ريغان لسياساتهم التي جعلت من المستحيل على اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، الاستمرار على وجوده بأي شكل كان. غير أن الأغلبية الساحقة لأولئك الذين يعارضون النزعة المحافظة الجديدة هم ليبراليون في الغرب يعتقدون بإخلاص انه ليس من مهمة القوى الغربية انقاذ الشعوب من حكامها المستبدين. ويجادل هؤلاء الليبراليون بأن الشعوب المختلفة لديها ثقافات مختلفة جديرة كلها بالاحترام على قدم المساواة. وطالما ان الغرب لا يمتلك وسائل لمعرفة ما اذا كان أهالي بورما، على سبيل المثال، يرغبون حقا بالتحرر من نظامهم العسكري، فإنه ليس هناك تبرير أخلاقي لتغيير النظام.
ويقول موراي انه بقدر تعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن حزب العمال في بريطانيا، هو الذي تبنى الكثير من وجهة نظر المحافظين الجدد عن العالم. ويكتب قائلا انه «في بريطانيا يعتبر المخرج الأكثر اهمية للنزعة المحافظة الجديدة حتى الآن، وهو ما قد يثير الدهشة، يوجد في حزب العمال. ولكن المخرج ظل مقتصرا على السياسة الخارجية للحكومة. ومن العسير تخيل أن حزب العمال، يمكن ان يتبنى مبادئ المحافظين الجدد في السياسة الداخلية، مثل الضريبة الأدنى، وتقليص تدخل الدولة واجراءات العدالة الاجتماعية الأكثر نجاحا».
ويأمل أن يكون هذا هو السبب، الذي يجعل من حزب المحافظين البريطاني، تحت قيادة زعيمه الجديد، يتبنى النزعة المحافظة الجديدة ككل في كل من السياسة الخارجية والسياسة الداخلية.
ويعتقد موراي أن بريطانيا، في ظل أي حزب كان، ستبقى «حليفا راسخا» للولايات المتحدة بقدر تعلق المر بالحرب على الإرهاب. ولكنه يحذر من أن خصوم الأفكار المحافظة الجديدة سيواصلون الصراع ضدها بقدر ما يستطيعون.
ويقول ان «كفاحنا يجب ألا يشن فقط من جانب الجيش وقوات الشرطة، وانما من جانب الجمهور العام والمثقفين والسياسيين، وكل اولئك الذين لديهم احساس بالمسؤولية المدنية».
وسواء اتفق معه المرء، أم اختلف فإن موراي قدم اسهامة قيمة لمعركة الأفكار العالمية.