راديو «مونت كارلو» يثأر للثقافة ويخصها بنشرة إخبارية يومية

فسحة متألقة في صحراء الإذاعات العربية

TT

مطلع نوفمبر الماضي، فوجئ مستمعو إذاعة «مونت كارلو» الناطقة بالعربية، التي تبث من باريس، ببرنامج ثقافي إخباري يومي يحمل عنوان «الفترة الثقافية». فقد أخذت الإذاعات والتلفزيونات العربية كل الأخبار بجدية باستثناء الثقافية، و«مونت كارلو» أخذت زمام المبادرة.

برنامج «الفترة الثقافية» من راديو «مونت كارلو» الذي لا تتجاوز مدته نصف الساعة، حمل في طياته جِدَّةً لافتة، وبُعداً لا عهد به للأذن العربية. فهو يشتمل على نشرة ثقافية من عشر دقائق، تعطي للمستمع، جديدَ الثقافة ليس على المستوى العربي فقط بل العالمي أيضاً. حيث سمعنا تقارير وافية تتناول معارض وأحداثا ثقافية أخرى متنوعة في مدن عالمية مختلفة، وأخرى احتفاء بذكرى مبدعين فرنسيين متميزين مثل جان بول سارتر وفرديناند سيلين وجيل دولوز من الراحلين، وميشال ويلبيك وفريديريك بيغبيدي وجون إيشنوز من الأحياء...وهؤلاء قلما ترد أسماؤهم في الإذاعات أو التلفزيونات العربية. وبعد النشرة يستضيف مقدم البرنامج ضيفا، يكون يتحدث عن حدث أو إصدار أو مهرجان أو ضجة ما حول موضوع معين. وبعد ضيف الفترة يقترح المقدم فقرة أخرى اسمها «زوم»، وغالبا ما تكون تحقيقا ينجزه أحد المراسلين الموزعين عبر العالم. أما ختام الفترة فزاوية أسبوعية ثابتة يقدمها مذيعون متميزون من طاقم البرنامج في باريس. الجدة تكمن في ثلاث نقاط أساسية، أولها أن المقدم شخص متمكن من المادة الثقافية، ويتعلق الأمرُ بالصحافي المغربي عبد الإله الصالحي، وهو اسم ذو وقع أليف لدى المتعودين على الصحافة المكتوبة. كما أن الصالحي يعتبر أيضا من الأسماء الشعرية الواعدة وقد لفت الانتباه مؤخرا بإصدار مجموعة شعرية ناضجة صدرت عن «دار توبقال» تحت عنوان «كلما لمستُ شيئا كسرته». مكمن الجدة الثاني يتمثل في الجرأة في طرح الأخبار وانتقاء زوايا تتناولها من منطلق إخباري. فالنشرة الثقافية مصممة على شاكلة النشرات السياسية وتتخللها مراسلات صوتية واتصالات مباشرة مع المعنيين بالحدث بشكل مباشر وساخن.

لكن اللافت فعلا هو كفاءة المراسلين. فالفترة الثقافية تضم أسماء معروفة: خميس خياطي من تونس، والشاعر المغربي جلال الحكماوي من الرباط، وعرفان رشيد يقدم تغطيات للثقافة الإيطالية مع تركيز على السينما، وميشال معيكي من بيروت صاحب الصوت المتميز رغم نزوعه الإنشائي أحيانا.

ويبدو جليا أن المسؤولين عن البرنامج حريصون على انتقاء مراسلين من الفاعلين في اللحظة الثقافة العربية الراهنة مثل الصحافي المصري المعروف بحيويته سيد حسن محمود والشاعر السوري خليل صويلح والصحافي الفلسطيني وديع عواودة، كما أن «الفترة الثقافية» ضمت مؤخرا إلى صفوفها الصحافي السعودي احمد الزين والشاعرة الكويتية سعدية مفرح.

"مرحبا بكم أعزائي المستمعين من مدمني ومدمنات الثقافة في الفترة الثقافية لنهار اليوم وإليكم البرنامج: ...«هكذا يطل عبد الإله الصالحي يوميا بصوته على المستمعين عدا يومي السبت والأحد للأسف. ويبدو أن الإدمان على هذا البرنامج مغر لأن المستمع المهتم بالثقافة، يتسمر في مكانه عفويا لينصت حتى نهاية الفترة التي عادة ما يختتمها يوم الاثنين خميس خياطي بفقرة «تلفزيون» بأسلوب جريء، وأحيانا غير مفهوم نظرا لسرعة أدائه، والثلاثاء المذيعة عالية قديح تتحدث بصوت دافئ عن آخر صرعات عالم الموضة. أما الأربعاء فهو موعد فقرة «إصدارات» التي يقدمها فايز مقدسي بطريقة تتناقض جديتها المفرطة أحيانا مع خفة دمه. أما الخميس فهو موعد الفقرة السينمائية التي يقدم فيها حنا مرقص جديد صالات العرض السينمائية في باريس.

عمر هذا البرنامج لم يتجاوز الثلاثة أشهر، لكنه تمكن من ترسيخ أسلوب إذاعي جديد للتعامل مع الثقافة، في قالب يستفيد من سرعة ايقاع الصحافة الفرنسية. وعلى سبيل الذكر لا الحصر طبعا، سُمِعَتْ في هذا البرنامج أصوات بعض الناشرين المعروفين مثل خالد المعالي وعبد الجليل ناظم وفاروق مردم بك ومحمد هاشم وماهر الكيالي وبعض الروائيين مثل عباس الحبيب السالمي واحمد المديني ومحمد سلماوي وإبراهيم عبد المجيد وجمال الغيطاني ومحمد برادة، ومن الشعراء سركون بولص وأمجد ناصر ومنعم الفقير ومحمد بنيس وعابد إسماعيل وقاسم حداد، هذا عدا الموسيقيين والتشكيليين. والحق يقال: إن الفترة الثقافية تجتهد في تغطية الخبر الثقافي من المحيط إلى الخليج، وهي بادرة طيبة في راديو «مونت كارلو» الذي عودنا سابقاً، على المبالغة في التركيز على الشرق الأوسط مع إهمال واضح لمنطقتي المغرب العربي والخليج. لكن الفترة الثقافية انتقلت مؤخراً إلى سلطنة عمان لتغطية انطلاق فعاليات مسقط عاصمة للثقافة العربية لعام 2006 وفاجأت الجميع بتغطية موضوعية فسحت مجال الكلام لمجموعة من المثقفين العمانيين المتذمرين من إقصائهم عن الفعاليات، ومن قصور النظرة الرسمية للثقافة. ويا حبّذا لو اهتمت «مونت كارلو» بتغطية المزيد من المهرجانات الثقافية بنفس الموضوعية بدل الاكتفاء بتغطيات في غاية الحياد تكاد تكون أحيانا بمثابة إعلانات مجانية لمهرجانات لا طعم لها.

لن نكتفي بإطراء البرنامج، فهو ما يزال في طور الولادة ولم يحقق ما يتطلع إليه، فبعض المراسلات أو التحقيقات تكون غير مسموعة، أحياناً، بسبب رداءة التسجيل، كما أن بعض المراسلات، خاصة من لبنان ومصر، لا تعكس بالفعل حيوية المشهد الثقافي المحلي. وملاحظ أن حضور الضيوف في الأستوديو يبقى نادرا رغم أنه كلما حصل، يضفي المزيد من النضارة، خاصة أن مقدم البرنامج وزملاءه يتألقون أكثر في مواجهة الضيوف المباشرين ويخلقون جوا حميميا مفيدا.ةيُبَث البرنامج يومياً عند الواحدة والنصف بعد الظهر بالتوقيت الفرنسي، ويعاد صباح اليوم التالي عند السابعة والنصف.