كتاب فرنسي عن تاريخ الإسلام

TT

لا يهدف هذا الكتاب الى ابراز السمات الرئيسية الراهنة للدين الاسلامي فقط، آخذين في الاعتبار تنوع الطقوس والمعتقدات والممارسات وانما ايضا، وبوجه خاص، الى تحديد ما يرجع، في المجتمعات الاسلامية المعاصرة، الى الواقعة الدينية في حد ذاتها، او الى البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، او الى موروث التاريخ والجغرافيا.

ان المنهج المتبع في إعداد هذا الكتاب هو تاريخي وجغرافي في آن. فانطلاقنا من حقيقة ان الحضارة الاسلامية قد امتدت، خلال فترة طويلة، من المغرب وافريقيا السواحلية، في الغرب، الى الصين واندونيسيا، في الشرق. يتحدث الكتاب عن الاسلام بوصفه دينا وبوصفه مجموعا لسمات ثقافية.

وقد كمنت المفارقة في ان الاسلام، وعلى الرغم من خصوصية موطنه الاصلي، نجح في زمن محدود في الانتشار داخل مناطق واسعة مختلفة كثيرا في ما بينها: سهوب آسيا الوسطى وصحاريها الباردة، والمقاطعات الرومانية او البيزنطية القديمة المشاطئة للبحر الابيض المتوسط، والمدن الكبرى في بلاد ما بين النهرين، وسواحل افريقيا الشرقية، والهند والصين واندونيسيا. وتدعو السهولة الظاهرة لتلقي الاسلام في مناطق، متباينة في ما بينها الى هذا الحد، الباحث الى التساؤل عن الصفات الدوغمائية والطقسية للدين الجديد، فأي نمط ديني هو الذي شاع ؟ وهل تميز الدين الاسلامي بالوحدة في المناطق المختلفة، ام انه على العكس من ذلك، تنوع تنوعا عميقا ـ غذته المؤثرات المحلية ـ بما يشهد على طاقته على التكيف؟

اما الفصل الثاني فيحدد مجموع سمات الحضارة الاسلامية المادية، والثقافية والاجتماعية التي امتازت بالديمومة وكانت قابلة للتحديد، فعلية توحيد اراض شاسعة تحت لواء حكام مسلمين اقوياء ولد مجالا صار يشهد انتقالا ميسرا للافراد، والمنتجات والافكار، باندماجها بقوافل التجار او الحجاج. كما ان انتشار اللغة العربية لعب دورا اساسيا في إرساء ثقافة تغذت ليس فقط من تاريخ الاراضي المفتوحة (في منطقة البحر الابيض المتوسط، وآسيا الوسطى، والامبراطوريتان البيزنطية والفارسية)، ومن ممارسات شعوبها السياسية، ومعارفها وتقاليدها، وانما تغذت ايضا من معارف جيران هذه الاراضي غير المسلمين الذين توثقت الصلات معهم، كما كان الحال مع الصين او مع الامبراطورية الكرولنجية.

ويتناول الفصل الثالث بالتحليل الفضاء المقدس للاسلام، بمستوياته المختلفة ـ من التردد اليومي على جامع الحي، او الاسبوعي للاستماع الى خطبة يوم الجمعة، الى الحج السنوي الى مكة.

اما الفصل الرابع فيبين كيف ان تطور الحضارة الاسلامية لم يكن ممكنا الا بفضل تطور شبكة عمرانية واسعة، تمثلت في نقاط متكاثرة للقاءات، والمبادلات والابتكارات، فكل مدينة تطورت بحسب اكراهات بيئتها وتبعا للتقاليد العمرانية المحلية. ولهذا السبب لم ينبثق نموذج واحد للمدينة الاسلامية، وانما ظهرت، بالاحرى، سمات مشتركة للحضارة العمرانية.

اما الفصل الخامس فهو تاريخي، اذ هو يعرض الزمانات التاريخية الكبرى التي حددت الخصوصية النسبية لبعض المجالات المناطقية داخل مجمل الاراضي التي انتشر فيها الاسلام. فالسلطات الاسلامية الجديدة التي برزت في التاريخ لم تؤد الى اختفاء المميزات المحلية، وانما اعادت صوغ المميزات تبعا لحاجاتها.

ويعرض الفصل السادس بالتفصيل التوزع الراهن للسكان المسلمين في العالم والديناميات التي تحكمهم، ليس فقط في ارض الاسلام التاريخية، وانما ايضا في المجتمعات الاوروبية والاميركية والاسترالية، فالمسلمون يشكلون في هذه المجتمعات اقليات قومية مهمة تنسج علاقات نوعية مع المجتمعات التي تتطور في احضانها. وهكذا، فان المشكلات التي تبرز في هذا الفصل تطاول مسألتي الهوية والتأقلم.

ويتطرق الفصل السابع الى الازمات المستفحلة التي تواجهها المجتمعات الاسلامية، والتي تتجلى فيها نزعات متناقضة: تطلعٌ الى التحديث والى دمقرطة الحياة السياسية، من جانب، ونزعاتٌ محافظة على الصعيدين السياسي والديني، بل وحتى سلوكيات رجعية واصولية، من جانب آخر.

واخيرا، يظهر الفصل الثامن كيف انه، وخلافا لرأي هنتنغتون، يجدر البحث عن الاسباب الحقيقية للازمات المتعددة، الداخلية والخارجية على السواء، المترافقة مع الحروب والنزاعات التي تخترق العالم الاسلامي ليس في جوهر الدين والحضارة الاسلاميين وانما في مكان آخر، فبعد عملية نزع الاستعمار التي تميزت باقامة حدود ذات طبيعة اشكالية في احيان كثيرة، فرضت بعض الانظمة التسلطية نفسها بالقوة على حساب احزاب مؤيدة للديمقراطية، حيث اعتمدت هذه الانظمة على دعم القوى الغربية، او عبّرت من اجل توطيد سلطتها وشرعيتها، عن رفضها لهذه القوى من خلال توجيه استياءات واحباطات سكان بلدانها ضد كبش فداء (كاسرائيل او الولايات المتحدة الاميركية). وافضت اللعبة المعقدة التي دارت بين انظمة، مشغولة في الاساس بضمان استمراريتها، من جهة، وبين نزوع الولايات المتحدة الجديد الى التدخل، من جهة ثانية، افضلت الى نتائج مأساوية، انعكست على المعارضات المحلية، المقموعة بصورة كلية، والتي لم يكن في وسعها ان تفرض صوتها في الفضاء السياسي الوطني، وعلى السكان، الذين وجدوا انفسهم محرومين من جزء من سيادتهم ومن ثرواتهم الباطنية، كما انعكست على الاقليات المسلمة التي تعاني هي نفسها من اشكال التمييز، في الدول الصناعية في اوروبا واميركا.