العرب وجنوبيو أميركا يعلنون ميلاد تحالف ثقافي جديد

كسراً لهيمنة التنميط الغربي

TT

احتضنت العاصمة الجزائرية أخيرا «الاجتماع الوزاري الأوّل لوزراء الثقافة العرب ـ الجنوب أميركيّين» والذي بدا واضحاً من خلال أعماله

أن أهدافه أبعد من مجرّد الموافقة على بضعة مشاريع مشتركة.

اللقاء الذي جمع وزراء الثقافة، جاء تطبيقًا لتوصيات «قمّة برازيليا ـ مايو 2005» وضم حوالي الثلاثين وفداً من الدول العربية وأميركا الجنوبية، وتضمن بيانه الختامي سلسلة طويلة من المشاريع المشتركة. حيث قرّر الوزراء إنشاء جائزة سنوية لأحسن كتاب أميركي جنوبي في المجالات الأدبية والفكرية عن العالم العربي، ومنح نفس الجائزة لأحسن كتاب عربي في نفس المجالات عن أميركا الجنوبية. ورحب المجتمعون بـ «المشروع الذي قدمته البرازيل حول إقامة معرض بعنوان «حكاية نهرين: الأمازون والنيل»، كما رحبوا باتفاق المكتبة الوطنية الجزائرية ونظيرتها البرازيلية، لنشر كتاب مشترك باللغتين العربية والبرتغالية عنوانه «مسلية الغريب بكل أمر عجيب» للإمام البغدادي كـ «تعبير عن العمق التاريخي للتواصل الثقافي». وأكّد المشاركون أيضًا تبنّيهم لمبدأ «ضرورة الاهتمام بالترجمة كمدخل للتقارب بين الشعوب وأهمية تفعيل دور المكتبة العربية ـ الجنوب أميركية في هذا المجال».

وبارك الوزراء مشاركة أميركا الجنوبية، في الملتقى الدولي للرواية الذي تحتضنه العاصمة المصرية سنويًا، والمشاركة في مهرجانات دمشق وقرطاج والقاهرة السينمائية، مع الدعوة الحارّة لدول أميركا الجنوبية للمشاركة في المهرجان الدولي للموسيقى في العاصمة التونسية، والأسبوع الثقافي العربي ـ الأميركي والمهرجان العربي الأميركي للشعر، اللذين تحتضنهما الجزائر خلال سنة 2007 وغيرها من التظاهرات بما يربو على العشرين مشروعًا.

أقر الاجتماع الوزاري أيضا، احتضان الجزائر للمكتبة العربية ـ الجنوب أميركية بعد منافسة ساخنة مع سورية انتهت بروح رياضية عالية، ولم تفوّت القمّة الحدث الدولي الساخن إذ سجّل البند التاسع من بيانها الختامي دعمه «للبرامج والأحداث الثقافية التي تدعو إلى احترام الأديان وتعزيز الحوار والتسامح بينهما»، وتلى ذلك بإدانته كافّة الممارسات الهادفة إلى المسّ بالأديان ونشر الكراهية العرقية والعنصرية في تعقيب على حادثة الدنمارك، كما سجّل البيان توقّفه أمام الأخطار التي تحيق بالمقدّسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس القديمة بالدعوة إلى «الحفاظ على التراث الثقافي للمواقع الدينية والتاريخية الواقعة تحت الاحتلال».

بعيدًا عن تفاصيل الاجتماع الوزاري ومقرّراته فإن المؤشّرات التي بدت من خلال جلساته المفتوحة أنبأت بميلاد تحالف ثقافي دولي جديد، إذ رفض الحاضرون اعتماد اللغتين الفرنسية والانجليزية خلال جلسات العمل، رافعين شعار «نحن دول مستقلة لا تتحدّث لغة المستعمر»، وتحدّث كلّ مندوب بلغته الأم. هذا الموقف عبّر عن المشاعر الكأمنة في نفوس المشاركين، إذ ظهر أن اجتماعهم وجه آخر لإعادة اللحمة للعلاقات العالمثالثية على أساس تقديم التعاون الثقافي على السياسي، لتفادي دواعي الاختلاف وتأسيس قاعدة صلبة لما يشبه جبهة ممانعة للعولمة الضّاغطة باتّجاه الجنوب، هذا ما صرّح به منسّق المجموعة العربية، السيد عبد القادر حجّار، وكذلك رئيس الوفد السعودي الدكتور أبو بكر باقادر للصحافيّين في لقاءات جانبية. وقد كان الوفدان السعودي والجزائري قاطرة هذا المسعى بل إن رئيس الوفد السعودي صرّح بأن «التعاون بين المجموعتين هو السبيل الحضاري الوحيد الباقي للحفاظ على الخصوصيات الثقافية للمجموعتين، وتحقيق قدر من التعاون بين دول ذات أنسجة اجتماعية واقتصادية متشابهة». ونفس الهموم وردت في تصريحات الأميركيّين الجنوبيّين، إذ ظهر بأن قربهم الجغرافي من الإمبراطورية الأميركية صار عبئاً عليهم لدرجة تصريح أحدهم «عندما يحاصرنا الآخر فلا حلّ سوى الالتفات لأنفسنا»، بل إن وزيرة الثقافة الجزائرية، خالدة تومي، قالت «إن عدوّنا واحد: الفقر، الجهل، التخلّف، الحقد والكراهية»، وعندما تتوحّد قائمة الأعداء فإن الحديث يدور في الأغلب عن «معسكر واحد». القطب الثقافي الجديد يبدو تكفيراً عن سنوات الفرقة السياسية بتأثير «نظام القطبين» الذي فرّق الفقراء شيعًا وبذل من دمائهم فواتير صراعه، ليكون صَحْوُهُم فيما بعد على فجيعة الجيب الفارغ والدم المهدور، وإذا عمل هذا القطب بالشكل الذي لوحظ في نوايا المشاركين، فلعلّنا نكون على موعد مع أولى بذور المعارضة الحقيقية لثقافة المعلّبات!