الشاعرة السعودية هيلدا إسماعيل: ماذا أفعل إن كانت لغتنا ذكورية؟

بعد صدور ترجمة إنجليزية لديوانها «أي.. قونات»

TT

تقول الشاعرة السعودية هيلدا اسماعيل عندما تكتب سيرتها الذاتية «مرة أخرى ينتصف الليل.. وأنا مازلت أفكر كيف سأضطر للكتابة عني.. ماذا سأكتب في سيرة مسافتها قليلة.. خائفة من أن يجعلني هذا أصْغر في عينيَّ.. لأن ثيابي لا تكلِّفُني الكثير.. بينما يُكلّفني أكثر البحث عن أجنحة على شَاكلتي..».

هيلدا اسماعيل شاعرة سعودية شابة، غادرت المملكة أخيرا تاركة عملها في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة متجهة الى لندن،علّ ضباب المدينة يغطي شيئاً من الألم الذي تقول «انني لا أَتَقاسَمَهُ.. إلاَّ معَ نَفْسي... يَجْعَلُني وَحيدَة». وتضيف: «لا تخلو كتاباتي من الألم لأنني نسيتُ كيف يفرحُ الآخرون..أرتاحُ كثيرًا لهذا النوع من الكتابة، فهو يذكرني بأنني إنسانة».

شهدت هيلدا اسماعيل أخيرا ولادة ثانية لديوانها الثاني «أي.. قونات»، بعد أن صدر بترجمة انجليزية عن دار نشر «Stacey» للمترجمة سعاد نجيب، وبه حققت خطوة باتجاه لم يكن وارداً بالنسبة لها. وسبق لهذه الشابة أن أصدرت باكورة أعمالها «ميلاد بين قوسين» متوجة مرحلة أولى من الكتابة، كانت قد بدأتها على شبكة الإنترنت. «حين بدأتُ الكتابة بدأتها بـ(ميلاد) هذا الاسم الافتراضي الذي اخترتهُ على ساحة (الإنترنت) التي كانت شاهداً على مخاضي على أرض واقعٍ يولد أطفالها بأسماء لم يختاروها.غرقتْ في نقطة حبر يَسْكنها الصدق.. العفوية.. أجهز عليها الآخرون لأنهم كانوا يدركون أن قمة الغرق تعني أن شخصاً ما يجب أن يبقى حيّا... يتعلق بـ(أقواس) النجاة.. يطفو على سطح الأوراق من أجل أن يقول إننا (ذكورا وإناثا) نجيد الكتابة، ولهذا لم يمشِ في جنازتي أحد حتى الآن..».

لطالما رددتُ، تقول هيلدا «ان العمل مع فئة ذوي الاحتياجات الخاصة هو عشقي الأوَّل»، «أما الشعر فهو الذي اختارني وأشار إليَّ في وقت كنت أفضل فيه القراءة على النوم. بالطبع هناك تشابه كبير بين الأطفال والقصائد. طفلي أظن دائماً أنه أجمل الأطفال وكذلك كتاباتي. وقد لا يرى الآخرون طفلي إلا قبيحاً وكتاباتي لا معنى لها، لكنهما خرجا من الداخل، من هنا! من هنا..! ولا أملك إلا أن أحبهما أكثر من اللازم، وأحتفي بهما أكثر من اللازم».

تخرجت هيلدا اسماعيل من الجامعة ببكالوريس دراسات طفولة والتحقت بجامعة الخليج العربي في البحرين لتحصل على الماجستير في التربية الخاصة، ثم انتقلت إلى لندن لتدرس شيئاً بعيداً عن تخصصها العلمي، في محاولة للإجابة عن ماهية العلاقة بين الفن والفلسفة، وفي الوقت ذاته تحتضن «كاميرتها» كلما سمحت لها لغة الشمس لتصغي للطبيعة والتفاصيل الدقيقة، أما فيما يتبقى لها من وقت فتحاول ببعض الأعمال التطوعية في مستشفيات الأطفال الخاصة أن تفهم سبب التدني الملحوظ في «ثقافة التطوع»، في معظم مجتمعاتنا العربية.

نسأل هيلدا اسماعيل، قلت في أحاديثك إن من تخاطبينه في قصائدك قد يكون أي مخاطب مذكر غير الرجل، فأين هو الرجل في حياتك؟ فتجيب: نعم قلت هذا مراراً. لماذا يُعتقد بأن كتاباتي هي لرجلٍ بجسده، شواربه، يديه وتقطيبة حواجبه لمجرد أن الخطاب لمذكَّر؟ لماذا لا يكون ما أكتبه وأناديه دلالة على الوطن، الشعر، الخوف، الحزن، أو الكتابة؟ ماذا أفعل إن كانت لغتنا ذكوريَّة؟

هيلدا اسماعيل لم تكتف بنشر ديوانيها ورقياً، وحرصت على أن يكون الإنترنت مكاناً أمناً لكتاباتها، وهي تشرح سبب ذلك بالقول: «ان أكبر عقوبة ينالها الكاتب الخائن، أنه يخون نفسه في النهاية. ليس التنصُّل من البدايات ما يفترض أن نبدأ به حتى لو بطريق الخطأ. ولدت هنا، في أحد المنازل الحميمة جداً على شبكة الإنترنت، وحين كبرت أصبح لي اسم صغير أعيش في ظلِّه ومنجزان والكثير الكثير من الأهل والأصدقاء، أفلا أكون ابنة بارة لهذا الوطن وإن كان افتراضياً».

تكتب هيلدا اسماعيل قصيدة نثرية، لكنها تقول «راقصتني أوزان الخليل مرات، وكثيراً ما قصصت وكتبت ورغم أنني من هذا الجيل الحديث أو كما يلقبوننا «جيل الإنترنت» الذي اقتنى الحداثة «رداءً» إلاّ أنني أكره أن تتلبَّسني «الرداءة» حين أنزع أصول القصيدة العربية لأجعل من قصيدة النثر طفلاً لقيطاً بلا نسب. الأوزان كانت أسهل ما اقترفت، ولكنني أمنت بعدها، أنه ليس سهلا أن تكون شاعراً ولكن الأصعب حقاً، أن تكون لديك لغة شعرية فاتنة، توظفها كيفما تشاء الكتابة، في وقت تنحسر فيه القدرة على كتابة ما نشاء».