لصوص إسرائيليون وفلسطينيون يتعاونون في نهب باطن الأراضي المحتلة

تهريب الآثار يوحد ألد الأعداء

TT

يوم السبت الرابع من فبراير الجاري، كان لدى الشرطة الفلسطينية في محافظة أريحا، ما تفخر به، حين أعلنت، أنها تمكنت من إلقاء القبض على أحد لصوص الآثار.

وهذه ليست المرة الأولى التي يقبض فيها على لصوص، فنهب باطن الأراضي المحتلة جارٍ على قدم وساق

أريحا، حيث قبض على لص الآثار الفلسطيني، هي واحة في غور الأردن، والمساحة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، هي اصغر بكثير من مساحة المدينة، وهي بشكل أو بآخر «واحة» وسط المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية.

وتعتبر المنطقة من اكثر المناطق غنى بالآثار، وأريحا نفسها تعتبر اقدم مدينة في التاريخ، وفيها وفي محيطها نفذت عمليات مسح اثري رسمي عديدة، من بينها عمليات بحث إسرائيلية، كان آخرها عام 1993، عشية تأسيس السلطة الفلسطينية، عندما أطلقت إسرائيل حملة تنقيب واسعة في بيداء البحر الميت لـ «تمشيط» المنطقة اثريا، ورصدت لذلك مبالغ كبيرة.

ورغم كل هذه الحفريات، فان الأرض ما زالت تخفي الكثير، وهذا ما يتضح من التجارة المزدهرة نسبيا في الآثار المسروقة التي تنفذها عصابات فلسطينية ـ إسرائيلية، بعضها منظم والآخر يفتقد إلى التنظيم، ولكن خطورة الطرفين على الآثار الفلسطينية كبيرة، في ظل عدم وجود سلطة حقيقية. يتضح من البيان الذي أصدرته أخيراً الشرطة الفلسطينية، ان مجموعة فلسطينية تنبش عن الآثار وتبيعها لتجار إسرائيليين. وبعد رصد هذه المجموعة، وتتبعها، نصبت الشرطة كمينا لها، وقبضت على أحد أفرادها وهو يبيع القطع الأثرية التي بحوزته لإسرائيلي قدم بسيارته إلى ما يعرف بشارع 90 شمال أريحا، وتم القبض على الفلسطيني ومعه بعض القطع، فيما لاذ الإسرائيلي بالفرار ومعه بقية الأثريات.

وما لم يذكره بيان الشرطة، أن أفرادها الذي تتبعوا الفلسطيني إلى المكان، دخلوا بشكل غير رسمي لتلك المنطقة، لأنها وفقا للاتفاقيات المعقدة، والمليئة بالتفاصيل، بين السلطة وإسرائيل، لا تخضع للسلطة. وتتضمن القطع التي عثر عليها بحوزة الفلسطيني نقودا ذهبية إسلامية، ومسكوكات بيزنطية، وتماثيل صغيرة تعود إلى اكثر من 1500 عام. واقر الفلسطيني الذي القي القبض عليه، بأنه سبق له وشركاء آخرين بيع قطع أثرية بمبلغ 800 دولار أميركي، وهو ما يشير إلى الثمن البخس الذي تباع به الآثار المهمة.

وعادة ما يبرر لصوص الآثار عملهم، الذي يدركون مخاطره الوطنية، بتفشي البطالة في الأراضي الفلسطينية، التي جعلت شباب قرى فلسطينية بأكملها يتجهون للتنقيب، غير الشرعي، في الآثار، كما يحدث في قرى جنوب الخليل، وشمال وغرب رام الله، وشرق بيت لحم.

ويتجه الباحثون عن الكنوز، ومعهم معاول، ويبدأون بالحفر في مناطق أثرية تعرف بالخرب في محيط قراهم أو تبعد عنها قليلا. وعادة لا يقدر المنقبون قيمة ما يجدونه من آثار، رغم انهم اكتسبوا خبرة مستمدة من الثمن الذي يدفعه تجار الآثار الإسرائيليون، في كل قطعة.

واكثر القطع التي يتم فيها دفع مبالغ طائلة تلك التي لها علاقة باليهود والديانة اليهودية. وهي قطع نادرة، ومعظمها تعود إلى ما بعد القرن الرابع الميلادي والعهود الإسلامية.

وروى منقبون لـ «الشرق الأوسط»، انهم يتخلصون من بعض الآثار التي لا تكون مرغوبة من التجار الإسرائيليين، مثل القوارير، وبعض الفخاريات والفوانيس وغيرها، وان البحث يكون محموما حول مسكوكات تحمل رموزا يهودية، لا تظهر غالبا. ويتضح من ذلك، أن ما يطلق عليه الفهم الأيديولوجي الصهيوني للآثار، ينسحب حتى على سلوك لصوص الآثار.

في مناطق كثيرة لا ينتظر تجار الآثار الإسرائيليون، فرصة التعاون مع نظراء فلسطينيين، فيأتون إلى مناطق مشهورة بالآثار، للتنقيب بأنفسهم، كما يجري في قرى غرب رام الله، حيث تنتشر المستوطنات ومناطق ريفية بكر غنية بالقبور والكهوف القديمة، ولا تخضع للسلطة الفلسطينية، ولا تعني الجيش الإسرائيلي إلا عندما ينفذ عمليات عسكرية من خلالها لاقتحام المناطق الفلسطينية. ومن القرى والبلدات المستهدفة باللصوص الإسرائيليين مثلا: بيت عنان، وبيت سيرا، وبيت لقيا، وصفا، وسلفيت، وحسب قاطنين في تلك المناطق فان هؤلاء اللصوص الذين يأتون عادة وهم مسلحون، يخربون الأراضي ويقتلعون الأشجار ويسرقون الآثار.

ووجهت مجموعات من شباب تلك القرى، نداءات إلى المجموعات الفلسطينية المسلحة مثل كتائب شهداء الأقصى، للتدخل ووضع حد لما وصفوه بأنه مجزرة أثرية ووطنية وبيئية. وتحدث عالمون بالأمور لـ «الشرق الأوسط» أن عمل لصوص الآثار الإسرائيليين لا يقتصر على الآثار فقط، ولكنه بحث عن ما يقال إنها كنوز ذهبية خلفها الجيش العثماني، في البلاد، بعد هزيمته في الحرب العالمية الأولى، وفرار أفراد هذا الجيش، أمام الجيش البريطاني المتقدم بقوة.

فكثيرون من الذين يسيل لعابهم على الذهب العثماني المفترض، يمضون أعمارهم بحثا عنه، ويقصد عدد لا يستهان به، من الإسرائيليين تركيا من اجل الحصول على خرائط حول مواقع الكنوز المفترضة، مقابل مبالغ معينة، ثم يعودون إلى الأراضي الفلسطينية للتنقيب من اجل الحصول على الذهب المدفون. وغذت هذه القصص طوال سنوات، الشائعات حول عثور البعض على كنوز، مخبأة في تنكات أو جرار كبيرة. ويعتقد بعض الباحثين عن الآثار أن ثمة كنوزاً مخبأة تحت الأرض مرصودة من الجان، يلجأون إلى خبراء بفك الرصد، والى كتب تنتشر بينهم، ومتخصصين في ذلك، غالبيتهم من المغاربة اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل.

الإهمال الفلسطيني، والسيطرة الإسرائيلية، ونشاط اللصوص، يساهم في تدمير الآثار، مثلما هو الحال في منطقة تسمى «أم العمد» في برية القدس، التي تكشف الآثار البارزة فيها عن مدينة كانت تنبض بالحياة يوما ما. وما زالت في المنطقة آثار كنيسة بيزنطية نادرة وكبيرة في باطن الأرض. وتقع المنطقة في مجال السيطرة العسكرية الإسرائيلية، لكن موظفي الآثار الفلسطينية يستطيعون الوصول إليها، ورافقنا موظفين من هذه الدائرة، واطلعنا على كتب موجهة من هؤلاء الموظفين إلى دائرتهم ووزارة السياحة من اجل وضع سياج حول المنطقة المهمة، واتخاذ تدابير للحفاظ عليها، ولكن لا أحد يستجيب. مع ذلك، قال لنا مسؤولون في دائرة الآثار بثقة كبيرة، ان المنطقة معروفة اثريا وموثقة ولديهم كل المعلومات عنها، ولا داعي للخوف أو الذعر.

وتحدث بعض قرويي المنطقة، عما يفعله لصوص الآثار وعن القطع الأثرية المستخرجة من المكان والتي تعود إلى العصرين البيزنطي والأموي الإسلامي.

ولا يمنع ما يجري استمرار زياد البندك وزير السياحة والآثار الفلسطيني في عقد اجتماعات لمجلس شكله اسماه «المجلس الاستشاري للآثار والتراث الثقافي» من كافة المحافظات في الضفة والقطاع، والذي يتكون من خمسة عشر عضوا، عشرة منهم من المديرين العامين في الوزارة ووزارتي الثقافة والأوقاف.

وحسب البندك فان المجلس يهدف «إلى تطوير العمل بين المؤسسات التي تعنى بالآثار على المستوى الوطني من أجل الحفاظ على التراث».

ويفخر البندك الذي تولى الوزارة في العام الماضي، بأنها المرة الأولى منذ إنشاء السلطة الفلسطينية، التي يتم فيها تأسيس مثل هذا المجلس المنصوص على تشكيله في القانون.

وعندما تحاول دائرة الآثار العمل في نطاق نفوذها، تصطدم، بمعيقات كبيرة، مثلما هو الحال عندما أوقف موظفوها أعمال حفريات لإحدى الشركات أبانت عن القناة الرومانية الأثرية التي كانت تنقل الماء من بيت لحم إلى القدس، ولكن قرارا من رأس الهرم السياسي الفلسطيني، جعل الشركة تحطم القناة وتستمر في عملها.

وتندرج أيضا ضمن سرقة الآثار الفلسطينية، التنقيبات الرسمية التي تجريها سلطة الآثار الإسرائيلية، خصوصا في المستوطنات ومحيطها، كما حدث أخيرا من حملة تنقيب إسرائيلية واسعة في موقع دير القلعة الأثري، شمال الضفة الغربية، تم خلالها الكشف عن سلسلة من الغرف والأرضيات الفسيفسائية الملونة والعادية، عليها رسوم، إضافة إلى الكشف عن قنوات مائية، وصهاريج ومعاصر عنب ومدافن. ورفعت سلطات الاحتلال، بعض الأرضيات الفسيفسائية ونقلتها.

ويمثل الموقع ديرا بيزنطيا بطول 54 مترا، ويحتوي على ساحة داخلية، يعود إلى القرنين السادس والسابع الميلاديين، ويعتقد انه شيد في عهد الإمبراطور جوستنبيان.

وقبل التنقيبات الإسرائيلية الأخيرة، كانت المسوحات الأثرية كشفت عن وجود بوابة رئيسية في الجدار الجنوبي للدير، حيث تتناثر في المكان بقايا معمارية من أعمدة وتيجان تحمل رمز الصليب، كما تظهر في المكان بقايا الخزان المائي المركزي ويعتبر من اكبر الخزانات المائية المعروفة في فلسطين في الفترة البيزنطية.

ويعتقد أن الهدف من هذه التنقيبات ربط موقع قلعة الدير بمستوطنة بدوئيل القريبة، وفي بعض حالات هذا النوع من التنقيب، تصدر وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بيانا تشير فيه بان ما تفعله إسرائيل يمثل «انتهاكا واضحا للقانون الدولي خصوصا اتفاقية لاهاي لسنة 1954 وتوصيات المؤتمر الدولي التاسع في نيودلهي حول مبادئ التنقيب في الأراضي المحتلة لسنة 1956 والذي لا يجيز للسلطة المحتلة إجراء أية تنقيبات، وكذلك مخالفا للاتفاقيات الفلسطينية ـ الإسرائيلية».

وفي كل مرة تهيب وزارة السياحة والآثار الفلسطينية «بالمجتمع الدولي والأمم المتحدة، والمنظمات المعنية للتدخل العاجل والسريع لوقف مثل هذه التعديات. ولكن هناك شكوكا، في وصول هذه الرسالة، إلى الموجهة لهم، في حين أن الآثار الفلسطينية، ستبقى تئن حتى إشعار آخر.