اميركا منقسمة وأصغر من أن تتمكن من إدارة كيان واسع مثل العراق

جورج باكر يقدم حججا للمعارضين والمؤيدين في «بوابة القاتل»

TT

انها صورة مختلطة تلك التي يسعى جورج باكر، الكاتب في مجلة «نيويوركر»، الى ابرازها في هذا الكتاب الغني بالمعلومات والمسلي في آن واحد. فقد اظهر ان هناك عدة حروب سبقت غزو العراق. أولاها كانت تلك التي جرت ضمن ادارة بوش بحدة شديدة قد تفاجئ الكثير من غير الاميركيين، وجعلت اتخاذ القرارات امرا صعبا او مستحيلا، ومنع ذلك بروز استراتيجية اميركية متكاملة. اما الحرب الاخرى فتم خوضها بين الادارة وأولئك الذين لا يحبون الرئيس بوش لجملة أسباب. وأخيرا كانت هناك الحرب داخل العراق التي قد لا تكون من وجهة نظر باكر الأكثر صعوبة من بين تلك الحروب

حينما دخلت قوات الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة إلى العراق لم يظن الكثير من الناس أنها ستتمكن من تحقيق أهدافها العسكرية خلال ثلاثة أسابيع، بل حتى أولئك المؤمنون بنظرية تقول أن الحرب أشبه «بالمشي وسط الكعك»، توقعوا ان تستغرق شهورا مع قتال مرير قبل إسقاط نظام البعث الذي ظل سائداً لعقود. ولم يكن المتفائلون على خطأ فقط، فالسنوات الثلاث الأخيرة أثبتت أن المتشائمين أيضا كانوا على خطأ. فهم توقعوا أن يحدث سيل عارم من اللاجئين يهربون إلى البلدان المجاورة بينما سيستخدم «فدائيو» صدام الأسلحة الكيماوية ضد الغزاة والمدنيين معا.

يعرّف باكر نفسه بأنه ليبرالي أيد الحرب، لا لأن لديه شكوكا بخصوص أسلحة صدام للدمار الشامل لكن لأنه نظام ذو طبيعة «فاشية».

وكان «باكر» قد تعرف قبل وقوع الحرب بعدة سنوات على كنعان مكية، المثقف العراقي المقيم في المنفى، الذي كانت كتاباته مصدر إلهام للكثير من المناصرين للحرب. وفي كتاب باكر هذا يصبح مكية «شبحا طيباً» يسكن العراق، ويقدم تقارير مختلفة كان بعضها قد نشر في مجلات أخرى مع وحدة في الأفكار. يحتفظ «باكر» بمشاعر عميقة لمكية لكنه يظل غير متيقن من صواب رؤية هذا المثقف الحالمة بعراق ديمقراطي. والمشاهد التي نرى فيها مكية يعود من بغداد المحررة إلى بوسطن ليسكن بيتا جديدا مع حبيبته العراقية، التي فقدها منذ عقود، مؤلمة حقا. البيت الجديد قد تم تجديده ليستقبل مكية، في حياة المنفى الثانية، وكأن حتى تحرير العراق لا يستطيع أن يقدم لشخص مثل مكية، مع أحلامه الواسعة بالديمقراطية للعراق، الحد الأدنى من السلامة والكرامة في بلده.

وإذا كان مكية يجول في هذا الكتاب وكأنه شخصية أكبر من الحياة فإن «باكر» يقدم لنا عددا من العراقيين الآخرين مع عدد من المتطوعين الأميركيين والبريطانيين الذين صمموا على البقاء في العراق لإنجاح تجربته الجديدة. والانطباع الذي يتركه الكتاب هو أنه في الوقت الذي يركز فيه الإعلام على المهاجمين الانتحاريين وبقايا نظام البعث، يمتلئ العراق بالناس الطيبين الذين يؤمنون بأن من الممكن هزم الشر. وتركت أنشطة الناس المقيمين في مدينة الحلة القريبة من بغداد انطباعا قويا في نفس المؤلف، وهو يراهم يسعون إلى التكيف مع ماض تراجيدي وإلى بناء مستقبل أفضل. لكن حماسه يزداد في كركوك، المدينة الكوسموبوليتية حيث يقيم العرب والأكراد والتركمان والمسيحيون الآشوريون والكلدانيون الموجودون هناك منذ أكثر من 2000 عام. وبعد قراءة كتاب «باكر» سيشعر أولئك الذين لم يزوروا كركوك من قبل بأن عليهم أن يحملوا حقائبهم ويأخذوا أول طائرة متوجهة إلى هناك. مع ذلك يحذر «باكر» من أن كركوك قد تبرز باعتبارها أكثر الملفات السياسية المعقدة لفترة ما بعد تحرير العراق.

يشير عنوان الكتاب «بوابة القاتل» إلى المداخل التي تؤول إلى ما يسمى بـ «المنطقة الخضراء» في بغداد، حيث تركز قوات الائتلاف وجودها هناك وحيث توجد مكاتبها الإدارية. ويقول باكر إن هذا الاسم يعود إلى القرون الوسطى لكن قد يكون ذلك مجرد حكاية سمعها من أحد مرافقيه العراقيين.

يمكن أن يُقرأ كتاب باكر باعتباره كتابا تمهيديا عن طريقة اتخاذ القرارات السياسية في الولايات المتحدة. فهو يقدم الحجج لكلا الطرفين المؤيد والمعارض للحرب وبطريقة عادلة تتناسب مع عقل ليبرالي مثل عقله. وأحيانا كان يعيد بعضا من تلك القصص المتكررة من أن الولايات المتحدة حررت العراق إرضاء لحزب الليكود الاسرائيلي أو للسيطرة على نفط العراق.

لكن القارئ بإمكانه أن يتجاهل هذا، ويركز على الصحافيين الغربيين الذين طوروا شعورا حقيقيا تجاه العراق وتمكنوا من التواصل مع العراقيين على مستوى أعمق. وتظهر تقاريره المثبتة في الكتاب، أن تحرير العراق كان إجراء ضروريا وأن الأغلبية من العراقيين مصممون على بناء حياة افضل. وهو يرثي أيضا لحقيقة أن «لا أحد يريد أن يسمع أخبارا طيبة حول العراق».

وإذا كان «باكر» ما زال يدعم الحرب بشكل متوازن فإنه أمين بدرجة كبيرة بحيث يعبر في كتابه عن الشكوك نفسها تقريباً التي يثيرها المعارضون للتحرير من البداية.

يقول في كتابه: «طالما أن قدر أميركا الآن مربوط بالعراق فإن التقييم النهائي للحرب قد يتطلب سنوات أو عقوداً، فبول وولفويتش والمنظِّرون الآخرون للحرب، نظروا للتاريخ نظرة طويلة الأمد، ولو أنهم لم يكونوا في مواقعهم القيادية لما كان هناك غزو أميركي أو على الأقل لما حدث بهذه السرعة». ويتساءل هنا: «من يمتلك الحق كي يقول إن الحرب تستأهل خوضها»؟

ومن الواضح أن باكر يحترم وولفويتش الذي كان الهدف رقم واحد للجماعات المعادية للحرب ولمدة سنوات. (في أوائل هذه السنة تخلى وولفويتش عن منصبه كنائب لوزير الدفاع كي يصبح رئيسا للبنك الدولي). لكن ذلك لم يمنعه من نقد وولفويتش بسبب طريقة تعامله مع الوضع في العراق بعد انتهاء الحرب.

يظهر باكر في كتابه أن الولايات المتحدة لم «تصمَّم» كي تكون قوة امبريالية، لكنه ينتقد بشدة الطريقة التي تعمل فيها السياسات الأميركية. ويكتب قائلاً: «يبدو أن الولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين منقسمة حزبيا بشكل كبير وأصغر من أن تتمكن من إدارة كيان واسع مثل العراق».

لكنه وازن ذلك من خلال إظهار تصميم العراقيين لهزم الإرهابيين وبناء الديمقراطية. ويقتبس في نهاية الكتاب قول قاض عراقي شاب في بغداد: «هذه معركة، ونحن جنود في هذه المعركة. لذلك هناك واحد من خيارين: إما الفوز بالمعركة أو الموت».

* أميركا في العراق

* المؤلف: جورج باكر

- 467 صفحة

* دار النشر: فيبر أند فيبر، 2006