من اسكوتلندا إلى أميركا مراهقات فلسطينيات يلهبن المشاعر

الجدار لن يستطيع منعنا من رواية الحكايات للعالم

TT

تبدو حياة المراهقات الفلسطينيات طبيعية، للناظر من الخارج، لكنها في الواقع ليست كذلك، كما تقول سوزي عطا الله، المشرفة على فريق مسرحي

يحمل اسم «نجمات من بيت لحم»، قدم عروضا مسرحية عن قصص حقيقية شاهدها الآلاف، داخل فلسطين وخارجها. تجربة بدأت بكتابة اليوميات

لتخفيف التوتر والأرق ووصلت إلى مهرجان أدنبره وأميركا.

تروي سوزي عطا الله، وهي مدرسة في «راهبات مار يوسف» في مدينة بيت لحم لـ «الشرق الأوسط»، انها بعد أسبوعين من بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، فكرت في شيء يساعد طالباتها المراهقات على تجاوز الرعب والإحباط، فطلبت منهن كتابة مذكراتهن بالإنجليزية، وبدأت طالبات المرحلة الثانوية فعلا في تدوين يومياتهن.

تقول عطا الله بأن الطالبات كن يسألن في مدوناتهن، أسئلة مثل «أين العالم مما يجري لنا؟ لماذا يتفرجون علينا ونحن نقتل؟، ألسنا مثل غيرنا من البشر؟، لماذا نحن دون الآخرين يحصل لنا هذا؟».

كل أسبوع كانت المعلمة وطالباتها يتناقشن في المدونات التي تكتب، بشكل نقدي، وأصبحت عطا الله نفسها تدون يومياتها.

وتضيف عطا الله بأنها لاحظت بأن الطالبات، بدأن يتخلصن من خوفهن، ويتبين ذلك من المواضيع التي يطرقنها. فلم تقتصر كتاباتهن على المعاناة التي يمثلها الاحتلال، بل امتدت لتحكي عن المدرسين والعائلة والمجتمع، بالإضافة إلى التعبير عن الآمال والمخاوف التي تعتلج في صدورهن.

استشهاد الطالبة كريستين سعادة (12 عاما)، عندما كانت في سيارة والدها وبين عائلتها، في مجزرة نفذتها قوة احتلالية خاصة، تنكرت بزي رجال دين مسيحيين، في شهر مارس (آذار) 2003، اثر على المنحى الذي اتخذته المذكرات لدى زميلاتها، كما كان لوفاة زميلة أخرى لهن وهي كريستين مُرّة حين أطاح بها السرطان، انعكاسه الشديد على مشاعرهن.

مساعدة عطا الله، ريم زغموط، تقول بأنه في فترة من فترات التدوين، تمت الاستعانة بمذكرات مراهقة يهودية، عاصرت الحكم النازي في ألمانيا، لعرضها على الطالبات. تقول عطا الله «بحثت عن مذكرات كتبت في أوضاع مشابهة لأوضاعنا، كجنوب افريقيا أو مجتمع السود في أميركا، وعثرت على مذكرات لفتاة يهودية عمرها 13 عاما سجلت ما كانت تعانيه وعائلتها تحت الحكم الهتلري، وعرضتها على الطالبات».

أما لماذا اختارت هذه المذكرات بالذات؟ هل لأسباب سياسية؟ وهل كان مقصودا أن تكون صاحبتها يهودية؟، تقول عطا الله «أنا لا أتدخل في السياسة، ولم يكن في ذهني سبب معين لاختيار هذه المذكرات، لكنني وجدت أنها مكتوبة من فتاة عمرها قريب لأعمارهن، وعن ظروف شبيهة بظروفهن». وتستطرد «قدمت شرحا لمذكرات الطالبة اليهودية، وربطت بين الظروف التي نعيش، والحرب العالمية الثانية، والممارسات المتشابهة من قتل وإهانات وتعذيب، وكانت الطالبات يتساءلن إذا كان اليهود تعرضوا لكل هذا فكيف يمارسونه علينا؟». ما بين عامي 2000 ـ 2004، دوّنت الطالبات مذكراتهن وتجمع كم وافر مما اعتبر جزءا من التاريخ الشفوي الذي كتبته مراهقات عشن الأحداث وكتبنها أولا بأول. وصدرت هذه المذكرات بالإنجليزية بدعم من مؤسسة «الكويكرز» في مدينة رام الله.

في عام 2003 ـ تقول ريم ـ اتفقنا مع مسرح عناد الفلسطيني على مساعدتنا في تقديم مسرحية عن مدونات مراهقاتنا، وتم ذلك فعلا بمسرحية اسمها «ع الوجع»، أخرجتها الفنانة رائد غزالة، عرضت محليا، وفيها تحدثت المراهقات/ الممثلات، عن حكاياتهن الشخصية الاجتماعية والمدرسية والاحتلال، بشكل إنساني بدون شعارات أو كلام كبير.

وشجع الإقبال الذي لاقته المسرحية، على تشكيل فريق مسرحي أطلق عليه اسم «نجمات من بيت لحم»، تلقى دعوة من مهرجان ادنبرة العالمي في اسكتلندا لتقديم عرض هناك وهو ما كان في شهر أغسطس (آب) 2005. وتقول سوزي «تم التحضير للمهرجان بشكل مكثف، وتولى الفنان محمد عواد إخراج المسرحية هذه المرة، وتلقت المشاركات تدريبات طويلة، لأننا كنا نعرف بأننا سنذهب إلى مهرجان مهم، ونقدم مسرحية بالإنجليزية لأناس تعتبر هذه اللغة لغتهم آلام». وتشارك في مهرجان ادنبرة فرق من مختلف أنحاء العالم، مما وفر للفريق فرصة الاطلاع على تجارب مسرحية أخرى. وعن ذلك تقول ريم زغموط «لقينا تشجيعا كبيراً منذ البداية. وكان من المفترض أن نقدم 12 عرضا، لكن بسبب النجاح الذي حققناه طلب منا أن نقدم عرضين إضافيين، وهو ما كان».

وتشعر كل من سوزي وريم بالفخر للاهتمام الإعلامي بالمسرحية، فقد نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية تحقيقاً عن الفريق، ونشرت صحف أخرى إشادات بعرض المراهقات الفلسطينيات، وتقول عطا الله «فئات عديدة من الجمهور، فوجئت بعرضنا، وبعضهم لم يمنع دموعه، لأننا عبرنا عن واقعنا بشكل صادق وحقيقي». وتعلق ريم «اخبرونا بعد العروض بأنهم اطلعوا على ما يحدث عندنا من زاوية أخرى مختلفة تماما»، وتضيف «الفن جعل فتياتنا يتخلصن من خجلهن، والدراما حررتهن من القيود، وجعلتهن يكبرن ويثقن بقدراتهن ويتحدين كل المعيقات، ويثبتن حقا بأن أفكارهن اخترقت الجدار المحيط بنا وكل جدار مهما كان نوعه».

بعد النجاح الذي حققه الفريق في الخارج، يقدم عروضا محلية، وبعض الفتيات يرغبن بإكمال دراستهن الجامعية في مجالات ذات علاقة بالفن. وتضمنت المسرحية فقرة راقصة باسم «رقصة الحرية»، وأغنية بعنوان «العدالة إلى أين» من كلماتها «العدالة موجودة ولكنها لا ترى ولا تسمع»، ورغم ذلك فإن مراهقات فريق «نجمات من بيت لحم»، مصرّات على تدوين يومياتهن وتقديمها على المسرح، وسيغادرن إلى أميركا لاستكمال المهمة.