«رمال لإناء الجسد» بقلم راجح الخوري وريشته

الوجه المتواري للمحلل السياسي

TT

صدر حديثا للمحلل والكاتب السياسي الزميل راجح الخوري كتاب جديد، حمل عنوان «رمال لإناء الجسد» عن «دار النهار» للنشر، وعلى الغلاف لوحة تجريدية بريشة المؤلف. والكتاب يعد، باكورة أعمال الخوري في المجال الأدبي الوجداني، وقد رفض أن يصنفه في خانة الشعر، مكتفيا بالقول في مقدمته: إنها «كتابات».

وهذه الكتابات، تظهر وجه راجح الخوري الآخر، الذي بقي طويلاً متوارياً، بعيداً عن السياسة وهمومها. غير أن النزعة التشاؤمية التي طغت على الكتاب، هي فعل مقاربة للموت بحق، وإقرار بكونه جزءاً لا يتجزأ من الحياة، لا بل يذهب راجح الخوري إلى أبعد من ذلك، بتوقه إلى هذا «الوحش» الذي نحمله معنا كجلدنا، ويرى يوم الرحيل على انه هو: «النعمة والاستحقاق».

ربما يصعب على أولئك «المناوئين» للموت تقبل هذه الفسحة التي أتاحها الكاتب ليبرز جمالأ مستتراً ورأفة تحلّ لا إراديا. وقد اختار الخوري كما ذكر في المقدمة عدم الرد على كل تلك الأسئلة المتفاجئة بما تحمله هذه الكتابات من تعاسة مطلقة، وألم متوحش، وجليد مفعم بالسواد المطلق. لا بل رأى خوري ان «الرأفة الحقيقية هي في الامتناع عن تنبيه الضحية إلى ذلك النصل الذي يمزق كيانها التاعس». وهو يرى أيضا في إطباق الموت على الحياة سراً أو مجرد كونه «الحقيقة السرمدية الأقوى». ويغرف الكاتب من حبه للحياة ليبلسم صورة «العدم» ويرممها، فتبدو متساوية به حينا وأقل جمالاً منه أحيانا. والتوق هذا، يتجلى بالقول إن «المرتحلين إلى العدم هم السعداء الذين اجتازوا أخيرا، رحلة الأوهام والنزف فوق حد النصل»، ليخلص إلى أن ذاك «الوحش»، ليس سوى طريق الرأفة التي نخطوها على أقدام الحياة.

وتبدو الطبيعة دوما حاضرة بضوئها وضبابها وسحرها وغموضها، فمن مشاهد مرسومة بالكلمات وكأنها للحظة أصبحت لوحة تعلق على جدار الخيال، يتسلل إليها ذاك الأنين الصاخب، ليكلّل تلك الرحلة بين «الغصن والتراب». ويباشر خوري من جديد رسم تلك الدورة اللامتناهية بين فرح البدايات وحزن النهايات، وتلك التساؤلات التي تصيب جسر العبور بينهما. وفي نزعته «الشاعرية»، يتابع مشواره من دون أن يغفل عن ذكر الحب، وإن عند المغيب. إنه ذاك الصياد الذي يملأ بلطافة رماحه المتوحشة تلك القلوب التي تستمتع بإصاباتها أو تئن من ألم «الفراغ» أو «الصمت» أو حتى الموت.