عبد العزيز بن عبد الله الخويطر في لمحات من ذكرياته

الزمن بين الوَسْم والبَوْح

TT

للدكتور عبدالعزيز بن عبد الله الخويطر، صدر كتاب «وسم على أديم الزمن لمحات من الذكريات» والوسم مصطلح مشهور في الموروث العربي بكونه وسيلة حفظ الغالي والنفيس كي لايضيع في تِيْهِ الصحراء، ولئلا يستبد به طمعُ المتربصين، كما يعني في إلماحة أخرى أنه عملية ذات قوة، بحكم أن الوسم لا يكون إلا بجهد عملي يستنفد مجهوداً كبيراً وقوة في الفعل، سواء أكان بالحفر أو بالكي أو حتى بالليزر.

(وسم على أديم الزمن) كتاب من جزءين يحكي قصة حياة مؤلفه في بلدته عنيزة، فهو سيرة ذاتية صيغت بأسلوب أدبي يجمع بين سلاسة التعبير وسهولته، وبين قوة المعنى وترابطه. في الجزء الأول من الكتاب تناول المؤلف إضاءات عن قبيلته ووالديه وعمه وجدّه وجدته وأصدقائه وأخواله وحيّه في عنيزة. وفي الجزء الثاني واصل المؤلف حديثه عن ذكرياته في عنيزة، ومع هذا الحديث سيلٌ منهمر من تداعيات الذكريات، فنجده يتحدث عن أوهامه الثلاثة في زمن صغره، ويرجع ذلك إلى غياب عملية تثقيف الصغار والشباب ثقافة عامة تناسب كل سن، فأشار إلى حيرته مع صرف ريال الفضة بقطع نحاسية، وتصوره أنهم يكسرونه فيخرجونها منه، ومع زوجة الإمام وهل تؤم النساء كما يؤم زوجها الرجال، وربما لم يتصور أن يكون الإمام أعزب لئلا تزيد حيرته، وهكذا كانت حيرته مع السرحان في الصلاة ومع مكان حمل المرأة.

ثم نراه يدخل في عالم التداعيات، مشيراً إلى قصة المطرودية التي تتسم بالغرابة والشجاعة، وربما أخذته التداعيات إلى متاهات والشيء بالشيء يذكر كما فعل مع قصة حنشل الحجاج وذئب الشمسية وذئب الدوخي، بعد واقعة بئر الوسيطاء.

وهذه التداعيات قد تكون ذات قيمة ثقافية طريفة، كحديثه عن تفريق الجاحظ بين الدجاجة والديك لحظة الخروج من البيضة، بعد حديثه عن الدجاج في بيتهم بعنيزة. ومما زان هذا الكتاب ذكره مصطلحات تراثية محلية كثيرة جداً، وبعضها له أصول عربية صحيحة، كجذامير النخل، والجصص، والعِيَاب، والقلال، والتهضيل، والتَشْبِيَة والتلقيح، والصميل، والضِّرْوة، والحويِّط، والتسبُّب، كما تضمن إشارة لبعض الألعاب الشعبية بمسمياتها القديمة كالكعابة، وعظيم لاح، والصًّقلَة، والورَّارة، والبعَّة، وكباري كبوري، والعجاوي، وغيرها، مع محاولة المؤلف تصوير هيئتها بالكلمات، بما يغني عن آلة التصوير. ومما يزيدها قيمة حرصُ المؤلف على أن يحكي ذكرياته بأدبياتِ بيئتِها التي ولدت فيها، فجاءت صريحة وسلسة ودقيقة، وظهرت أهمية جمعها في قاموس تراثي بطريقة علمية منظمة ؛ لتنضمَّ إلى جهود الشيخ العبودي وغيره ممن وثَّق لكلمات قضت أو كادت في الموروث المحلي السعودي.

وتضمن الكتاب في جزءيه قصصاً شعبية طريفة وحقيقية رواها المؤلف من أفواه أصحابها مع صبغها بتحليلاته لأبعادها وأسباب بعض التصرفات فيها بما يدني ثمارها التربوية والإنسانية من ذهن القارئ، والمؤلف لايتورع عن إبداء رأيه في ذلك كله، مهما كان قاسياً بعض الشيء ليضفي عليه غلالة من التشويق الأدبي.

*كاتب سعودي