الشاعرة نتالي حنضل تنشد بالإنجليزية عبد الحليم والزعتر مع شاكيرا

تيار أدبي عربي ـ أميركي ينبعث بفضل جيل من الأديبات

TT

لنا إلى شارع حنضل صرخت نتالي، مطالبة بالوقوف والتقاط الصور أمام أثر جدها الأكبر الذي تركه ذات دهر على هذه الأرض. كانت تبكي كمن اكتشف ذلك الشيء الدفين المطمور في ذاكرتها البعيدة. إشراقة الجذور.. صخب الأسلاف. كانت كمن اكتشف هويته المبتورة في النفس والمكان وعاش تشظيها في هذه اللحظة العابرة». هكذا وصف الشاعر سيف الرحبي حال الشاعرة ناتالي حنضل(ابنة عائلة فلسطينية مهاجرة إلى أميركا اللاتينية) حين وصلت إلى مدينة اجدادها بيت لحم عام 2000، وكان ذلك أثناء إحدى الزيارات النادرة لشعراء عرب إلى الأراضي المحتلة.

زيارات الشاعرة ناتالي حنضل إلى فلسطين، تكررت بعد ذلك، وكان آخرها الأسبوع الماضي، حيث قدمت قراءات شعرية في عدة مدن فلسطينية، وسط حضور جماهيري، عادة ما تفتقده الأمسيات الشعرية.

قدمت نتالي نفسها، كشاعرة فلسطينية، ومؤلفة مسرحية، عاشت في الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، أنهت دراستها الجامعية في فن الدراما في لندن، وحصلت على ماجستير في الكتابة الإبداعية من كلية بينجتون في فيرمونت، وبكالوريوس في العلاقات الدولية والاتصالات من كلية سيمونز في بوسطن. وهي محاضرة في مجال المسرح والكتابة الإبداعية، شاركت في ورشات عمل في جامعات السوربون، ولندن، وماك جيل، كما في جامعة سيتي في نيويورك، وجامعة اليرموك في الأردن. وهي ناقدة للكتب الشعرية في مؤسسة (sable) في المملكة المتحدة، وعضو في الهيئة التنفيذية لمشروع القصبة، وتعلم في جامعة كولومبيا، كما انها أستاذة جامعية ومؤلفة لعدة كتب.

تعرف نتالي كيف تقدم قصائدها للجمهور، وتشده بأسلوبها المؤثر، وفي كل أشعارها يبرز سؤال الهوية كموضوع مؤرق لها ولجيلها من المهاجرين العرب في الأميركيتين. وعكست قصائدها تغير التقاليد والأزمات التي يعيشها هذا الجيل، وبرزت مفردات عربية، وفلسطينية شديدة الخصوصية مثل: القهوة، والزعتر، والخبز، وعبد الحليم حافظ، وارجيلة، وحمص، ولبن. وقدمت الشاعرة قصيدة مستوحاة من مدينة نيويورك المتعددة الاثنيات، التي تعيش فيها حاليا، عبرت خلالها عن معاناة شبيهة بمعاناة العرب الأميركيين، هي معاناة المهاجرين من أميركا اللاتينية، وفي قصيدتها هذه أدخلت كلمات إسبانية عديدة، وألفاظا يومية عرف منها الجمهور، على الأقل اسم مغنية البوب شاكيرا.

قالت نتالي، إنها فقدت أمها بشكل مفاجئ قبل عامين، رغم أنها كانت بحاجة إليها، وألقت قصيدة عن هذه الأم، فيها كثير من المفردات العربية مثل المقطع الذي تقول فيه بالعربية «عروس، حرب، جميل، بحب، مكة، القدس، حيفا، جدار.. جدار.. جدار». واستخدمت نتالي، بين بعض مقاطع قصيدتها أنغاما موسيقية هادئة نفذتها بشفتيها، لفتت انتباه الجمهور، ولكنها لم تكتف بهذا، بل أسمعتنا قصيدة حزينة مسجلة مسبقا بمرافقة إيقاعات شرقية على الطبلة، وفيها أيضا تستخدم كلمات عربية مثل: أبو مازن، أبو مصطفى، أبو خليل، الشيخ حسين، يا محمد.. يا محمود.. وفي القصيدة تكرار لجملة: نادني عربية، والكلمة الأخيرة: عربية تلفظها باللغة العربية. علماً بأن نتالي تجيد عدة لغات ليس بينها العربية، وإن كانت تعتبرها لغتها الداخلية.

ولنتالي تجربة مع القصائد المسجلة بمرافقة موسيقية، فشركة الاسطوانات التسجيلية (asc) في المملكة المتحدة، أصدرت مجموعة أعمالها الشعرية مسجلة على قرص ممغنط مع الموسيقى الاختلاقية الارتجالية التي وضعها موسيقيون روس: فلاديمير ميلر، والكساندر الكساندروف.

وردا على سؤال حول إذا كانت تعتبر شعرها سياسيا قالت نتالي بان السياسة موجودة في كل شيء، وهي عندما تكتب عن مزارع فلسطيني يحرث أرضه المهددة بالمصادرة تكون عمليا قد تطرقت إلى السياسة. بالإضافة إلى إصداراتها الشعرية، اعدت ناتالي كتابا عن شاعرات عربيات يكتبن بالإنجليزية، وقالت انها في البداية لم تجد التمويل اللازم له، لكن بعد أن نشر اصبح على لائحة الكتب الأكثر مبيعا، مما جعل الناشر يتشجع ليثق بقدرات الكتاب من أصول عربية، ويعطيهم فرصة للنشر.

وتعتقد الشاعرة انه رغم التداعيات السلبية لاعتداءات 11 سبتمبر، إلا انه كانت لها تفاعلات إيجابية على مستوى العرب الأميركيين، الذين شعروا بالتوحد، وأدركوا أهمية عدم التنازل عن حقوقهم، والتصدي لأي هجوم عليهم، وقالت إنها دفعت ثمنا وهي في المدرسة عندما كانت تعرف نفسها كفلسطينية ولكن الأمر الان اختلف بعد زيادة الوعي لدى المهاجرين من اصل عربي.

بشكل عام، فان الاهتمام النقدي والصحافي يكون عادة من نصيب الأدباء العرب الذين يكتبون بالفرنسية، في حين أن أشقاءهم الذين يكتبون بالإنجليزية غير معروفين للقارئ العربي، فهل يشكل هؤلاء تيارا في الأدب الغربي، أو الأميركي؟

تجيب نتالي بأنه يوجد تيار أدبي عربي ـ أميركي، وان هذا الأدب ابتدأ بجيل جبران خليل جبران، ولكنه أصيب بالركود، وها هو ينتعش من جديد على يد جيل جديد من أبناء المهاجرين. وترى فيرا بابون، المحاضرة الجامعية في الأدب النسائي الأميركي الاثني، ان معظم الذين يمثلون هذا التيار العربي في الأدب الأميركي الحديث، هن من النساء وبينهن نتالي حنضل. وقالت بابون لـ«الشرق الأوسط»، إنها تعد أطروحة حول «الأدب النسائي الاثني في الولايات المتحدة»، وأنها كانت استبعدت الكتابة عن الأدب العربي ضمن هذا الأدب، ولكنها اكتشفت انه موجود بقوة خصوصا منذ عشر سنوات. وما يميز هذا النوع من الأدب بحسب بابون «انه يسعى للإضافة للأدب الأميركي، رافعا عاليا سؤال الهوية»، لكنها تأخذ على هذا الأدب، خصوصا الشعر منه، بأنه ليس «قصصيا» أو «ملحميا» معتبرة أن ذلك يشكل نقصا فيه. وعن تقييمها لتجربة نتالي قالت بابون «ما يميزها انها قاصة ومسرحية ومنتجة ومخرجة أفلام، وفي كل هذه الأنشطة تستفيد من ثقافتها المتنوعة والثرية». أعدت نتالي حنضل مختارات من الأدب الدومينيكاني، وحررت بالاشتراك مع تينا تاشنغ، ورافي شانكار مختارات من إنتاج الشعراء الآسيويين والشرق الأوسطيين، وتعمل على مشاريع مشابهة. وهي ناشطة في أكثر من مجال أدبي وفني، وتحاول اليوم أن تعيد وصل ما انفصل مع وطنها الأم.