كساد سوق الفن التشكيلي والإفلاس يدق أبواب الصالات في المغرب

أسماء معروفة تبيع اللوحة بسعر 5 دولارات كي تقتات

TT

يلاحظ المتتبع للحياة الثقافية في المغرب، تراجع الحركة الفنية التشكيلية. فلم تعد المعارض تستجلب زوارها المعهودين،

وأقدم العديد من قاعات العرض على غلق أبوابها بسبب الركود، بعد أن كان المعرض الواحد يدوم ستة أشهر، ويجلب المداخيل.

من بين القاعات التي انتهت إلى إقفال أبوابها نجد في الدار البيضاء: «نظر»، «ملثم» و«منار»، وفي الرباط قاعة «المعمل»، في المقابل افتتحت قاعات صغيرة خارج المراكز المعهودة في مدينتي أزمور والجديدة، دون أن يكون الوضع المالي والتجاري، فيها أحسن حالا من سابقاتها.

تنقسم قاعات العرض التشكيلي في المغرب إلى ثلاثة أصناف: قاعات رسمية تابعة لوزارة الثقافة، تشترط على الفنان، تقديم ملف يعرف به وبتجربته الإبداعية. وهذه لا تقتطع أية نسبة مئوية عن عملية العرض، إلا أنه يروج حالياً، لإمكانية فرض رسم قد تصل قيمته إلى 150 دولارا عن اليوم الواحد.

النوع الثاني من قاعات العرض تابع للمؤسسات الثقافية الأجنبية: وهذه تعمل أساسا على انتقاء الأسماء، وتسعى لإدراج المعرض في سياق الدعاية لتوجهاتها وتصوراتها للثقافة ككل. أما القاعات التجارية الخاصة، فهي ملكية أصحابها من الفنانين أو المهتمين بالتشكيل ككل. ويتم العرض فيها، بناء على اختيار الاسم الذي يضمن رواجاً تجارياً مضموناً. واللافت أن أغلب هذه القاعات لا تقوم بتوقيع عقد مع الفنان، لكنها تلزمه مبدئيا وعند أي عملية تجارية، باقتطاع نسبة ما بين 25 إلى 35 في المائة. إضافة لهذا، فإن هذه القاعات لا تعمل وفق تصور فني مستقبلي.

إن القاعات التجارية تكثف من إقامة معارضها قبل وبعد كل سنة جديدة، بحثا عن ترسيخ عادة اقتناء اللوحة وإهدائها عند مطلع السنة الجديدة. إلا أن هذه العملية التجارية الصرفة تظل نخبوية، إذا ما عرفنا أن متوسط ثمن اللوحة الواحدة يتراوح بين400 و1500 دولار. هذه الأرقام ليست في متناول الشريحة الأوسع من المجتمع المغربي، التي تكتفي بمتابعة افتتاح المعارض على شاشة التلفزيون، أضف إلى ذلك الفقر الكبير، في ما يتعلق بالثقافة الفنية البصرية، خاصة أن الحقل التربوي التعليمي لم يعمم أصلا مادة التربية الفنية، التي يتعامل معها المتلقي (الطالب)، بنوع من الاحتقار والازدراء.

قادت هذه العوامل إلى تراجع سوق التشكيل في المغرب، حيث تحولت بعض القاعات إلى مقاه أو محلات لبيع الملابس، وانتهى العديد من الفنانين الذين يعتاشون على لوحاتهم إلى البيع بأسعار مزرية، حيث بيعت لوحات لأسماء لا أجرؤ على ذكرها بخمسة دولارات أو عشرة دولارات. وقد تقصينا آراء بعض الفنانين التشكيليين والمعنيين بالأمر. وفي رأي الفنان التشكيلي الناجب الزبير: «ان قاعات العرض أصبحت قليلة جدا ومحدودة، ولم يعد العرض يغري كثيرا بسبب تردي الواقع الفني.

فأنت تفاجأ اليوم بفتح قاعة وقبل أن يمر عام تسمع عن إفلاسها. وبالفعل يتقاضى أصحاب القاعات نسبة تصل إلى 35 في المائة. أما في الحالات التي لا يتحقق فيها البيع فإن صاحب القاعة يكون مضطرا إلى أخذ لوحة من الفنان، مقابل الجهد المبذول. لقد عرضت في الداخل والخارج، وخلال تجربتي في فرنسا وبلجيكا فإن تقاليد العرض مختلفة جدا. فهناك طبعا تجد البيع مضمونا، مثلما تجد متخصصين في تقييم الأعمال وتحديد قيمتها المادية.

المطلوب اليوم، إعادة النظر في التردي الحاصل، ليس في الفن التشكيلي وحسب، وإنما في السينما أيضاً، حيث القاعات تغلق بالجملة.

عبد المالك الشرفي، هو صاحب قاعة عرض خاصة، ومنذ نهايات الثمانينات وهو يشتغل بهذا الحقل، ويقول رداً على استفساراتنا: «لا أخفيك ان الإقبال كان جد هاما، وكان بمقدورنا إنجاز أربعة معارض في الشهر. أما اليوم فإن المعرض الواحد يستمر لما يزيد عن الشهر دون أن تحصل من ورائه على تغطية تكاليف الاستضافة، والدعاية وما إلى ذلك.

إنني أقتطع عن كل عرض نسبة 20 في المائة، وما يهمني اليوم هو تحريك عجلة الفعل الثقافي والفني لإعادتها لطبيعتها السابقة عن طريق التشجيع والدعم، وإلا فلا مكانة للفن اليوم ببلادنا.

الشاعر والفنان التشكيلي عبد الرحمن بن حمزة، يرى ان من حق صاحب القاعة فرض نسبة مئوية على المبيع تصل إلى 35 في المائة، وذلك لأنه يقدم خدمة تتمثل قبل العرض في الإعداد الإعلامي، ثم أثناء العرض بإقامة حفل على شرف الزائرين، وعند انتفاء البيع، فإن الفنان يهب لوحة للقاعة كمقابل للخدمات المقدمة. التصورات السابقة تعكس وجها من وجوه التعامل بين أصحاب القاعات والفنانين التشكيليين. هؤلاء يذهب البعض منهم ـ ممن سمح لنفسه بالحديث دون الرغبة في الإعلان عن اسمه ـ إلى كون أصحاب القاعات غدوا يملكون كما لا يستهان به من أعمال بعض الفنانين، ومن ثم فإنهم يختارون بعناية من سوف يعرضون له، بحكم أن المقتني يفرض الاسم الجديد، وهذا يكون في الغالب مؤسسة رسمية أو تجارية خاصة، استحدثت، أو فندقا من الفنادق الجديدة التي تؤثث جماليا فضاءها باللوحات. ومن ثم فهم يتهمون أصحاب القاعات بالمتاجرة بالفن والإبداع على حساب القيمة والجودة.

ويرى أحد الفنانين بأنهم يشترطون عليه لإقامة معرض ما، توظيف اللون بكثرة حتى يثير شخص المقتني، إذ وفي غياب ذلك لا يمكن إقامة المعرض. وهنا يضيف بأنه أصبح يضحي بالإحساس الإبداعي لمصلحة البعد التجاري، تحت ضغط الإكراه والإجبار، ولكي يعيش أصلا، ما دام لا يملك مهنة تدر عليه دخلا معقولا. هذه الآراء مجتمعة تتطلب تصورا جديد في التعامل مع الفن التشكيلي، التصور الذي يرضي صاحب قاعة العرض دون أن يضحي بالفنان وبتجربته في الرؤية والإبداع.