أمراض خطيرة وإجراءات علاجية غير كافية

الحناوي يطرح قضايا البيئة عبر 100 سؤال

TT

يقر الجميع بالحاجة الماسة لخلق تربية بيئية، ووعي بيئي، وثقافة بيئية لدى عامة الشعب لإدراك أهمية البيئة وضرورة المحافظة على مقوماتها، وغرس السلوك الإنساني السليم، بوصفه العامل الأساسي الذي يحدد اسلوب وطريقة تعامل الإنسان، فرداً وجماعة، معها، واستغلال مواردها، بما من شأنه المحافظة على القوانين التي تنظم مكوناتها الطبيعية وتحفظ توازنها بشكل محكم ودقيق، وإشاعة التعامل معها في ضوء قوانينها الطبيعية وبعقلانية وحكمة في الاستخدام، بعيداً عن الإسراف والتلف واستنزاف الموارد البيئية، بما فيها الموارد الدائمة، والمتجددة، وغير المتجددة، من خلال ترشيد وضبط الاستهلاك، باعتبارها الضمانات الملبية لحاجات الإنسان والإيفاء بمتطلباته عبر الأجيال المختلفة.

ضمن هذا التوجه، عهدت مجلة «البيئة والتنمية» العربية للخبير البيئي الدولي د. عصام الحناوي بإعداد مؤلف يخدم التوجهات البيئية المطلوبة، يكون مرجعاً علمياً، ومساعداً لتعميق وترسيخ التربية البيئية، ومحفزاً على المشاركة الجماهيرية الواسعة والفعالة في تحسين وتطوير الواقع البيئي في الوطن العربي. ولم يكن اعتباطاً اختيار الحناوي لهذه المهمة، فهو بين قلة من العلماء والباحثين البيئيين الذين يمتلكون نظرة شمولية لقضايا البيئة والتنمية، مرتكزة على أساس علمي واطلاع واسع على وضع البيئة محلياً وعالمياً، وإلمام كبير بالمعاهدات الدولية والبرامج الإقليمية، وهو الذي عمل باحثاً زائراً في جامعة هانوفر التكنولوجية وفي جامعة فرانكفورت، ومديراً لبرنامج الطاقة والبيئة، ثم مديراً لمكتب حالة البيئة في العالم في برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، ومستشاراً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وكان مسؤولاً عن إعداد الدراسة التحليلية لحالة البيئة في اعوام 1972- 1992، كما عمل مستشاراً لعدد كبير من المنظمات الدولية والإقليمية، وله أكثر من 150 بحثاً منشوراً في مجالات علم المعادن والجيوكيمياء والطاقة والبيئة، وقام بتأليف وتحرير 10 كتب علمية في هذه المجالات أصدرتها دور النشر العالمية في أمستردام ولندن وأكسفورد ودبلن. وهو حالياً أستاذ متفرغ بالمركز القومي للبحوث في القاهرة.

وقد أثبت الحناوي صواب الاختيار، حيث ابدع نتاجاً قيماً، قدم لنا فيه رؤية واضحة ومركزة على أهم القضايا البيئية، خاصة تلك التي تهمنا في الوطن العربي، مسؤولين ومواطنين، ملبياً حاجة ملحة في المكتبة العربية الى مرجع علمي شامل ومبسط للقضايا البيئية لكل ما يريد القارئ معرفته عن شؤون البيئة. وتميز أيضاً بطريقة الإعداد، وهي غير نمطية، طارحاً 100سؤال في القضايا البيئية الساخنة، ومجيباً عنها بلغة علمية سلسة ومفهومة لعامة القراء، معززاً إجاباته بأحدث المعلومات والبيانات المتاحة.

يشتمل كتاب: »قضايا البيئة في مائة سؤال وجواب» الصادر عن المنشورات التقنية ـ مجلة «البيئة والتنمية»، ببيروت، على مقدمة و3 أقسام، ضمت 18فصلاً، في 224 صفحة من الحجم المتوسط، أغناها بالكثير من الإحصائيات. ولمزيد من الإطلاع يشير المؤلف الى 10 مراجع باللغة العربية و20 مرجعاً باللغة الانجليزية.

اشتمل القسم الأول، وعنوانه «البيئة والتنمية»، على فصلين. الأول، وعنوانه: «الوعي البيئي» يعرف القارئ ببداية الوعي بقضايا البيئة، وماهية فلسفة اخضاع الطبيعة والسيطرة عليها، و نشوء الحركة البيئية الحديثة في العالم، ودور الإعلام في زيادة الوعي البيئي، وما مدى ثقة الجماهير بالإعلام البيئي، وما هي درجات الاهتمام بقضايا البيئة المختلفة، وهل أدى الوعي البيئي الى تغيير في السلوكيات، وكيف يمكن تغيير سلوكيات الإنسان تجاه البيئة.

ويجيب في الفصل الثاني، وعنوانه: «العلاقة بين التنمية والبيئة»، عن أسئلة حيوية، من قبيل: هل يوجد تناقض بين التنمية وحماية البيئة، وما هي الأنماط البديلة للتنمية، وما هي التنمية المستدامة، وهل هناك علاقة بين الزيادة السكانية في العالم وتدهور البيئة؟

وضم القسم الثاني، وعنوانه: «قضايا البيئة الرئيسية»، 14 فصلاً، تعرف القارئ بكل ما يتعلق بالهواء، وبتلوثه، ومصادره، وبالعوادم التي تنبعث من المركبات المختلفة، وما الذي يحدث للملوثات في الهواء، وآثارها الصحية، وما المقصود بتلوث الهواء الداخلي، والضباب الدخاني، والأمطار الحمضية، وكيف تتكون، وما هي أسباب الاهتمام بها. ويكرس فصلاً لتاًكل طبقة الأوزون، شارحاً كيف يتكون الأوزون في الغلاف الجوي، وماذا يمكن أن يحدث لو تآكلت هذه الطبقة الحيوية، وهل تاَكلت فعلاً، وما هو بروتوكول مونتريال بشأنها؟ وارتباطاً بهذا الموضوع يخصص فصلاً لتغير المناخ، ويعرفنا بالاحتباس الحراري، وما هي الغازات التي تسببه، وما الذي سيحدث لو ارتفعت درجة الحرارة في العالم. ويعرفنا أيضاً بمعاهدة تغير المناخ، وببروتوكول «كيوتو» في هذا المضمار.

ويبحث في أخطر قضية، ألا وهي التلوث الإشعاعي، مكرساً لها فصلاً كاملاً، موضحاً ماهيته، واَثاره، وما هو اليورانيوم المستنفد (المنضب)، ومتى استخدمت قذائف هذا اليورانيوم، وما هي اَثارها الصحية والبيئية؟

وخصص لقضية المياه ونوعيتها فصلاً، ويجيب عن العديد من الأسئلة، ومنها: هل هناك أزمة مياه عذبة في العالم، وما المقصود بتلوث المياه، وما هي اَثاره البيئية، وأهم اَثاره الصحية، وما المقصود بالمياه الدولية؟ ويتناول أيضاً مياه الصرف، وهل يمكن إعادة استخدامها، وكذلك تحلية المياه، والمياه المعبأة، وهل تختلف عن مياه الحنفيات. ويتناول البيئة البحرية، والتلوث البحري، ومصادره، وحالة البيئة في الخليج العربي، وفي البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر المتوسط،، وتلوث البيئة البحرية بالنفط، وأهم حوادث انسكاب النفط، وما هي الموارد البحرية الحية؟

وكرس فصلاً لـ «تدهور التربة والتصحر»، موضحاً ما المقصود بتدهور الأراضي الزراعية، والتصحر، والكثبان الرملية، وعلاقة الأخيرة بالتصحر. ويعرفنا بالآثارالاجتماعية والاقتصادية المترتبة على تدهور التربة. ويعرفنا بالبدو وكيف يعيشون في الصحراء. ويجيب عن سؤال: هل يمكن معالجة تدهور الأرض والتصحر؟ ويتناول الغابات: ماهيتها، وفوائدها، ولماذا تزال الغابات، وما هي معدلات إزالتها، وما هي الآثار البيئية والاقتصادية المترتبة على إزالة الغابات؟ وكرس فصلاً للتنوع البيولوجي، معرفاً به، وبأهميته، ويجيب عن سؤال: هل ان التنوع البيولوجي في العالم قد تناقص، ولماذا، مثلما يعرفنا بالمحميات الطبيعية.

ويتناول قضية خطيرة أخرى هي المخلفات الصلبة، يعرف بها، وكيف يمكن الإفادة من المخلفات الزراعية؟ ويعرف أيضاً بالمخلفات البلدية الصلبة، وبإدارة المخلفات، وتدوير المخلفات البلدية الصلبة، وبكمر (تسبيخ) المخلفات الصلبة، وبجدواها، وبالمدافن الصحية للمخلفات. وإتماماً لهذا الموضوع، كرس فصلاً لـلمخلفات الخطرة، موضحاً طبيعة هذه المخلفات، وكيفية التخلص منها، ويسلط الضوء على أسباب التجارة في المخلفات الخطرة، واتفاقية بازل بشأن هذه المخلفات، وهل هناك مخلفات خطرة «خاصة». وخصص فصلاً لـلكيماويات السامة، شارحاً ماهية هذه الكيمياويات، وهل مبيدات الآفات ضرورية، وما هي اَثارها الصحية والبيئية؟ ويعرفنا بالأسمدة الكيميائية، وبآثارها البيئية، كما يوضح لماذا تعتبر المرأة أكثر حساسية من الرجل للتلوث الكيميائي؟ ويتناول ماهية الفلزات الثقيلة، وكيف تهدد البيئة، والإجراءات التي اتخذت للحد من التلوث الكيميائي.

وجواباً عن اَخر المائة سؤال: ماذا الآن، وما العمل؟ يقول بان الإدارة السليمة لأمور البيئة وتحقيق التنمية المستدامة يتطلبان ان يكون هناك هدف أو أهداف مرغوب فيها ومطلوب تحقيقها، وتكون الرغبة نابعة من إجماع جماهيري مقتنع بها، ومستعد للمشاركة الفعالة لتحقيقها، أن يكون الهدف واضحاً ومحدداً، وأن تكون لهذا الهدف إمكانية فعلية تسمح بتحقيقه. لا بد لنا، إذن، من إحداث تغيرات جذرية في التخطيط للتنمية، فلا يمكن الاستمرار في وضع الخطط في القطاعات المختلفة بمعزل عن بعضها البعض. لا بد، وهذا هو الأهم، من إدماج الأبعاد البيئية في عمليات التخطيط، فهو الضمان الوحيد لتوقع المشكلات البيئية قبل حدوثها، والتعامل معها منطلق «الوقاية خير من العلاج». فالتعامل مع المشكلات البيئية من البداية أفضل وأرخص بكثير من تركها تتفاقم ويستفحل أمرها، وعندئذ يكون التعامل معها أكثر تعقيداً ومكلفاً للغاية. إن الإنفاق على حماية البيئة هو استثمار له عائد اقتصادي واجتماعي، ليس فقط للجيل الحالي، بل ولأجيال المستقبل. ومن واجب الجيل الحالي أن يترك للأجيال القادمة بيئة مماثلة أو أفضل من تلك التي تسلمناها من أسلافنا.

ويختتم بأن مشكلة البيئة هي مشكلة المجتمع كله، ومن الخطأ ان نقلل من حجمها ونحصرها بكونها مشكلة حكومة أو مسؤول ما. وهذا يتطلب العمل من الجميع على إحداث تغييرات في السلوكيات لترشيد استخدام الموارد الطبيعية المختلفة، وحماية البيئة من التلوث، وصون الطبيعة والحياة البرية، والحفاظ على الملكية العامة، واحترام حقوق الآخرين في العيش في بيئة هادئة ونظيفة.