باحثون سوريون ومصريون يناقشون أزمة النظام السوري في كتاب مشترك

TT

بحسب قسم من المنظرين السياسيين العرب، فسورية الآن تنتظر استهدافا أميركيا، وبحسب النظرية الشعبية العربية، فإن أميركا فور أن تنتهي من بغداد، ستتحول إلى سورية. من هذه النظرية يبدأ كتاب «سورية بين الاستهداف والإصلاح»، والصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، وحرره الدكتور محمد السيد سعيد.

الكتاب يختلف مع هذه الرؤى، مشيرا إلى أن سورية برغم الجمود الايديولوجي كانت أكثر مرونة بكثير من الناحية الدبلوماسية. فرغم استمرار تحالفها مع الاتحاد السوفيتي حتى انهياره لم تتردد كثيرا في المشاركة في التحالف الدولي الذي أقامته أميركا ضد الغزو العراقي للكويت عام 1990، كما أنها أدركت مبكرا النتائج المريعة لأحداث 11 سبتمبر، فسارعت بتقديم مختلف صور الدعم المخابراتي لأميركا فيما يسمى بالحرب ضد الإرهاب. وعلى الرغم من أن رصيد سورية ليس إيجابيا تماما من وجهة النظر الأميركية، إلا انها ـ على حد قوله ـ لم تقف تماما، بالمقابل، خارج عملية التسوية الأميركية للصراع العربي الإسرائيلي، وشاركت في مرات متعددة بمحاولات أميركا إعادة ترتيب المنطقة وتسوية الصراع وهو ما يجعلها أكثر ليونة من وجهة النظر الأميركية عن العراق في ظل صدام حسين.

الكتاب الصادر أخيرا بالقاهرة، هو موضوع ورشة لمعالجة جوانب مختلفة من المعضلة التاريخية التي تواجه سورية، مثلما تواجه بعض الدول والمجتمعات العربية الأخرى. وقد ضمت تلك الورشة مجموعة مثقفين سوريين، منهم الدكتور جمال باروت، والدكتور رضوان زيادة، وفايز الفواز، وأحمد البرقاوي، ويوسف سلامة، وميشيل كيلو، وقدري جميل، ومحمد رعدون، وخلف الجراد، وشمس الدين الكيلاني، وجريجوار ميرشو. ومن مصر، الدكتور عبد المنعم سعيد، وعبد الغفار شكر، وحلمي الشعراوي، وحسن نافعة، ومحمد السيد سعيد، ومحمد عبد السلام، ومنار الشوربجي، وعبد العليم محمد.

وبحسب محمد السيد سعيد في مقدمته للكتاب، فهناك بعض العوامل الرادعة التي تحول دون تطبيق نفس النموذج الذي اتبع مع العراق في سورية، فالقيام بغزو آخر يجبر الدول العربية على التيقن من صحة القول بأن هناك خطة أميركية متكاملة لتغيير اللوحة الاستراتيجية للمنطقة كلها، وهو ما يعني أن الدور سيقع على كل منها في الوقت المناسب، لافتا إلى أن هذا قد يجبرها على الاتحاد للمقاومة، وقد يتدهور الوضع فعلا إلى حرب ثقافية مفتوحة، وتزداد أهمية هذا الاعتبار نظرا لأن سورية مهمة في معادلات الأمن الوطني لعدد من دول المنطقة، وخاصة إيران والسعودية ومصر، وهي الدول التي يختلف موقفها من الضغوط الأميركية على سورية، عن موقفها بالنسبة لنفس الأمر في حالة العراق، مؤكداً أنه، من ناحية أخرى، سيدرك الجميع أن ضرب سورية يعني تمكين إسرائيل من الهيمنة وترك المنطقة بلا توازن استراتيجي.

المعضلة الحقيقية للاستهداف الأميركي لسورية والدول العربية تباعاً، في رأي سعيد، هو أن النظم ذاتها عزلت شعوبها وخرقت سياج الضمانات الأساسية للحريات العامة وحقوق الإنسان، ومارست قمعا متواصلا للمجتمعات على المستويين المدني والسياسي. وفي الحالة السورية، تثير العلاقات مع لبنان إشكاليات وقضايا ومشاعر متناقضة، وهو ما يطرح هنا موقف المثقفين والقوى التي تعي أن سورية مستهدفة من جانب الإدارة الأميركية وباسم الأميركيين، وتعي أن العلاقات بين سورية ولبنان مستهدفة في العمق أو فيما يتعلق بنسيج العلاقة بين المجتمعات، وليس فقط في النظم سواء كان الاستهداف من قوى خارجية أو قوى داخلية لبنانية أو من الاثنتين معا.

يتكون الكتاب من أربعة محاور. يتناول الأول العلاقات السورية ـ الأميركية، والثاني العلاقات السورية ـ اللبنانية، والثالث الاحياء الثقافي والاقتصادي والسياسي للمجتمع السوري باعتباره «القاعدة الحقيقية والأصيلة للدفاع عن سورية في وجه الضغوط الأميركية والإسرائيلية»، كما جاء في الكتاب. أما المحور الرابع فيتعلق بقضية الاسناد القومي للأمن السوري.