أنغام أوروبية بآلات سودانية والعكس بديع أيضاً

الموسيقى الشعبية تتزاوج في سبيل الوحدة القومية

TT

انطلق صوت مزمار العازفة البلجيكية، هادئاً متماوجاً وكأنه صدى يتردد بين جبال الألب، تبعته دقات طبل سريعة من العازف السوداني أشبه بهطول الأمطار الاستوائية الغزيرة، ثم نقلتنا نغمات غيتار ناعمة للعازف الفرنسي الى الثلوج الأوروبية وصوت تساقط أوراق الأشجار الشتوية بهدوء! ليشترك معهم جميعا صوت طبل النوبة الصوفي يهز القلب بعمقه الوجداني، ثم تدخل آلة الربابة أو الطنبور من شمال السودان لتسافر بنا الى أشجار النخيل والرمال والنيل الرقراق، وهكذا كانت تتبادل الآلات الأوروبية والأفريقية الأدوار، وتشترك في عملية مزج جميل لآداء معزوفات، تعود لفترة الباروك الأوروبية ونغمات تلال الأنقسنا بالسودان.

لم تكن المقطوعات التراثية وحدها هي التي تعيدنا إلى الطبيعة، بل الآلات التقليدية أيضاً التي تعزف عليها فرقة «كاميراتا» بقيادة مؤسسها الموسيقار دفع الله الحاج. وفي حديث له مع «الشرق الأوسط» وسؤاله عن فحوى اسم فرقته يقول: «كاميراتا هي جماعة موسيقية تأسست في أوروبا في القرن السادس عشر، فترة الازدهار الموسيقي في الغرب. تكونت الفرقة من عدد من المتخصصين الكبار فى الموسيقى هدفهم تطوير الموسيقى الشعبية الأوروبية»، ويضيف «نحاول في فرقتنا أن نحذو حذوهم ونطور موسيقانا الشعبية بتقديمها بشكل مختلف. أي أننا نعزف بالآلة الموسيقية التقليدية لمنطقة ما مقطوعة موسيقية شعبية لمنطقة أخرى، وأرى أن هذا يحقق هدفاً قومياً لوحدة منشودة على المستوى المحلي. وقمنا في السنة الفائتة بمشاركة الأوروبيين بتقديم عمل مشابه باسم «كونشرتو البالنجو». فالكونشرتو قالب موسيقي أوروبي، والبالنجو آلة أفريقية. ونقوم هنا بتوظيف الآلات الشعبية السودانية لعزف مقطوعة من مقطوعات فترة الباروك، هي «أورتيس».

الآلات الموسيقية التقليدية المستخدمة يعود تصميمها يدويا الى مئات السنين، وهي مشغولة من بيئتها الخاصة، من جذوع أشجار مختلفة المقاسات لصناعة الطبول، الى آلة البانمبو المكونة من سيقان أشجار متوسطة الحجم مقسمة لنصفين ومرصوصة على حامل ويضرب عليها بعودين خشبيين، هذا غير المزمار الخشبي والغيتار القديم الذي يعود الى عصر النهضة ويعزف عليه الشاب الفرنسي، وآلة الأدنقو الوترية من جنوب السودان مكونة من خشب مخروط مغطى بجلد. فالآلات الشعبية ابنة بيئتها.

عملية دمج الأنغام الكلاسيكية الأفريقية مع الأوروبية في محاولة لتقديمها في حفلات موسيقية في المركز الفرنسي بالخرطوم، بدت ناجحة تنساب في سلاسة. فالنغمات الشعبية القديمة في كل دول العالم تعتمد على الإيقاع السريع أو الراقص، كما يقول العازف الفرنسي روفائيل، لذا يسهل مزجها. فالإنسان البسيط الأول كان يبحث عن محتوى لمشاعر مبهمة ليفرغها فيه لا تتوفر فى الغناء ولا الشعر، فتسللت تلك الأنغام الطروب الى الروح العطشى لترويها وتنعشها وتزهر مرحا وتفاؤلا.