سيناريو مريح لسن التقاعد

أربعة أنماط من المهمومين بالمال

TT

تؤرق الكثيرين منا فكرة ألا يكون لديهم مال كاف للإنفاق لبقية حياتهم، خاصة إذا تقدموا في السن وتقاعدوا من العمل. وتشير الاحصائيات إلى أن اغلبية الناس يشعرون أنهم لا يملكون ما يكفي في هذا الصدد، وهو الموضوع الذي يناقشه هذا الكتاب.

«الرقم»، عنوان هذا الكتاب، يشير إلى المبلغ الكافي لتحيا حياة كريمة لبقية أيامك، وهو يختلف من شخص لآخر، وهو أيضا الرقم الذي يطارده الكثيرون ويؤرقهم كثيرا، في حين أنهم يتناسون أن هناك أمورا يمكن أن تأتيهم بالبهجة، مثل البحث عن أسباب السعادة الحقة، وكذلك البحث عن المعنى الحقيقي العميق للحياة.

يخاطب الكتاب بشكل خاص من تؤرقهم المشكلات المالية، والذين يطنون أن المال هو مصدر السعادة وحل جميع المشكلات، فهو يعرض لهم خيارا آخر، لا يصيبهم بالتعاسة ولا الأرق، كما أنه ليس رقما ولا شيئا حسيا بالمرة، وهو ما يرى المؤلف فيه السعادة الحقيقية، فملاحقة الأمور المادية، خاصة المال، يعتبره المؤلف بمثابة مطاردة لسراب.

في سيناريو مخالف يرى المؤلف أن ما يجب أن يؤرق الانسان بعد تقاعده وتفرغه من عمله، هو كيف يستمتع بالأيام القادمة؟ فهو قد منح منحة أو هبة، هي وقت إضافي، له حرية قضائه فيما يشاء. فماذا يفعل معظم الناس؟ يقضون تلك الأوقات القيمة في حساب هل تبقى معهم مال يكفي لحياة كريمة بقية حياتهم؟ ويصبح ذلك هوسا متمكنا منهم. ورغم أنه يهدف إلى رسم سيناريو لغير الأمور المالية، إلا أنه يناقش أمورا متعلقة بها، مثل الرعاية الصحية للمتقاعدين، وبعض أساليب استثمار أموال التقاعد بشكل جيد ومربح.

ومن خلال مناقشته لموضوع «الرقم»، يصنف المؤلف المهمومين به إلى أربعة أنماط:

1ـ المترددون، وهم الذين يدخلون حقبة الأربعينات والخمسينات من عمرهم وهم يعيشون في سحابة كثيفة من تجنب ورفض السنوات القادمة بكل ما تحمله من نقص في الدخل، ومشكلة أموال التقاعد المتناقصة. وهذه هي الفئة التي لا تفهم في أمور استثمار الأموال ولا تجيدها، وليس لها أية خبرة بها، لذلك فهو يتجنب الخوض في هذا الموضوع ويظل يؤجله حتى يجد نفسه في مواجهته بلا أية فرصة للفرار، كما ظل يفعل طوال السنوات السابقة.

2 ـ الواهمون، الذين يفكرون في الموضوع، ولكن بلا أية وقعية، فهم يلقون بالأرقام يمينا ويسارا، ويخططون حسب أرقام وهمية لا وجود لها الآن ولا حتى فيما بعد عند التقاعد.

3 ـ المخططون، الذين يقتلون كل نقطة ومرحلة من مراحل حياتهم المالية بحثا وتنقيبا ودراسة وفحصا وتمحيصا، وهم يقومون بذلك على أمل أن يتوصلوا إلى رقم محدد، يكون هو الذي سيعيشون عنده في سعادة وسعة بعد التقاعد، فهم يحسبون كم يملكون، وكم سيتقاضون عند التقاعد، وكم ستتكلف الحياة عندئذ..الخ.

4 ـ المجربون، الذين لا يهتمون بالرقم في حد ذاته، بل بما يمكنهم أن يفعلوه به، وسبل السعادة الأخرى.

كما يناقش المؤلف أيضا عدة مظاهر مالية سلبية في المجتمع الأميركي، منها:

مشكلة الديون، التي تصيب كبار السن والصغار، والسبب الرئيسي وراءها هو إساءة استخدام بطاقات الائتمان.

السنوات الضائعة: يصف ذلك المصطلح سنوات العشرينات والثلاثينات والأربعينات من عمر الإنسان، وفيها يكسر الإنسان كل قواعد الانفاق العقلانية، ويترك لنفسه العنان من إسراف وسوء تصرف مالي، ولكن فيها تبدأ أيضا حرب بين ما مضى من الحياة وما تبقى منها.

العودة إلى الرشد: وهي الفترة الزمنية القريبة من سن التقاعد، حيث يبدأ الإنسان في التفكير العقلاني في أموره المادية، ويتأثر تفكيره في هذه الفترة بكل ما سبق: تجربته مع الديون، ومدى اهتمامه بنفسه، وكم الإنفاق غير العقلاني الذي قام به في شبابه، وكلما كان قد اكتسب عادات إنفاق سيئة في شبابه، كلما كان هذا التحول أكثر إيلاما له.

التواءم: وهي مهارة مطلوبة يحتاجها الفرد لعبور المرحلة من الشباب والإنفاق غير المسؤول إلى مرحلة تقلص الدخل والعودة الإجبارية إلى الرشد في الإنفاق.

ورغم كل هذه التحليلات المالية، إلا أن هذا الكتاب لا يعتبر دليلا استثماريا، فصحيح أنه يستعرض ويحلل كل ما يتعلق بالأمور المالية الخاصة بالتقاعد، إلا أنه لا يقدم مثلا نصائح في هذا الشأن، بل يركز على الصراعات النفسية والعاطفية والانفعالية المتعلقة بالمال في كل مرحلة من مراحل الشباب، والتي تتأثر بها مرحلة التقاعد في النهاية، لذلك يعتبر هذا الكتاب بداية أو قاعدة جيدة للاستشارات المالية، ولكن الأهم هو الرسالة التي يوجهها، ومفادها أن السعادة في التقاعد لا تكمن في المال، ولكن في المتع غير الحسية التي يمكن اقتناصها في هذه المرحلة.