عشر سنوات على رحيل أيقونة اسمها: مارغريت دوراس

حكاية الروائية مع الرئيس فرانسوا ميتران

TT

العلاقة التي كانت تربط رئيس الجمهورية الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران بالروائية الكبيرة مارغريت دوراس، لا تزال تثير الجدل وتسيل الكثير من الحبر.

اللقاء بين كبيرين ما كان ليمر من دون أن يُثير الاهتمام، واليوم بينما فرنسا تحتفل بمرور عشر سنوات على رحيل دوراس فإن حواراتها مع ميتران تصدر

في كتاب، يلقي الضوء على مواقف لها قد تكون صادمة ومفاجئة.

معروف أن الرئيس فرانسوا ميتران يتمتع بذوق أدبي رفيع، بل إنه يعتبر من رؤساء الجمهورية الفرنسيين القلائل الذين يمتلكون علاقة خاصة بالأدب، حتى أن البعض يقرون بأنه لو لم يكن سياسيا لكان أديبا مُهما.

أما مارغريت دوراس(1914-1996) فهي من أهمّ الروائيين في فرنسا (وخصوصا تيار الرواية الجديدة التي ضمت أسماء متباينة من بينها ألان روب غريي وكلود سيمون وميشيل بيتور وكلود أوليي ونتالي ساروت). حصلت على الغونكور عن روايتها «العشيق» التي حقّقت أكبر مبيعات في تاريخ الجائزة، وساهم الفيلم المُقتَبَس عنها في زيادة شهرتها. كما أنها نشرت نصوصا مسرحية عديدة يستشفّ منها، خطاب المرأة/الأنثى المُوجَّه نحو المستقبل، فيه التزامٌ على المستوى الاجتماعي والأدبي والسياسي وموغلٌ في الحميمية في نفس الآن، كما أنها أشرفت على إخراج عديد من الأفلام (15 فيلما) التي تركت وقعها.

عشر سنوات مرت على غياب دوراس، وهي فُرصةٌ كبيرة لاستعادة أعمالها وتقييم مكانتها في الأدبين الفرنسي والعالمي، وفرصة للعديد من الكتاب لتوظيفها في نصوصهم. في هذا الصدد يجب التنويه برواية الكاتب الإسباني الكبير(لعله أهمّ كاتب إسباني حاليا) «إنريكي فيلا ـ ماتا» والمعنونة «باريس التي لا تنتهي أبدا». يستحضر الكاتب في هذه الرواية الجميلة عن باريس، لقاءه الأول مع مارغريت دوراس، وكان لما يزلْ مبتدئا في عالَم الكتابة، يطلب منها أن تنصحه كي يصير كاتبا. كتبت له النصائح التالية: «1ـ قضية البنية 2 ـ وحدة وتناسق 3 ـ موضوع وقِصّة 4 ـ العامل الزمني 5 ـ تأثيرات نصيّة 6 ـ محاكاة الواقع 7 ـ التقنية 8 ـ الشخصيات 9 ـ الحوار 10ـ إطارات 11ـ أسلوب12ـ تجربة 13ـ السجل الأسلوبي».

طوال هذه السنة ستشهد فرنسا، أنشطة ضخمة تخص الكاتبة، من ضمنها برامج إذاعية وتلفزيونية ومعارض على مدار السنة وصدور مؤلّفات جديدة، غير منشورة سابقاً، من بين المؤلفات كتاب «مكتبُ بريد شارع دوبان»، وهو مجموعة حوارات جرتْ بين دوراس والرئيس ميتران، كما أن مجلة أوروبا كرست للكاتبة عددا خاصا (فبراير2006)، في حين أن الكتاب غير الدوري الضخم Cahiers de l’Herne كرّس عددا خاصا لها هو أيضاً. ثمة كتاب آخرُ بعنوان «دفاتر الحرب» Cahiers de la guerre يصدر خريف 2006 عن دار P. O. L. هو عبارة عن نصوص كتبتها المؤلفة سنتي 1943 و1944، وقد كشفت في نصها الهام «الألم» عن بعض أجوائها، أجواء تتراوح بين الحرب وموت ابنها الأول وأخيها، والإبعاد وعودة زوجها وولادة ابنها.. وهي أحداث ستؤثر لاحقا على مجمل حياتها.

حواراتها مع الرئيس ميتران في «مكتبُ بريد شارع دوبان»، هذا الكتاب الشيق، الذي يكشف عن مواقف الكاتبة السياسية وتحمسّها وكذلك عن سذاجتها وسطحيتها، نتعرف على أشياء كانت مجهولة بشكل كبير في حياة الكاتبة وفي مواقفها السياسية التي قد تثير الآن بعضَ الصدمة. كانت تحرص في محاوراتها على إقحام السياسة التي كانت تستفزها وتثيرها. لقد كانت دوراس عضوا في الحزب الشيوعي الفرنسي، لكنها سرعان ما طُرِدتْ سنة 1950 بسبب ما أطلق عليه الحزب الشيوعي آنذاك: «محاولة تخريبية» أو «الاجتماع مع عناصر تروتسكية» أو «ارتياد مراقص ليلية يَسود فيها الفساد السياسي والفكري والأخلاقي».

في سنوات الثمانينات أظهرت دوراس حقدا كبيرا للاتحاد السوفياتي ولجورج مارشي، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي آنذاك، كما أنها ستظهر كُرهاً لليمين الفرنسي، وسترى في شيراك «رجلا يتحدث بشكل سيئ» و«هو يريد أن يثير إعجاب الآخرين إلى درجة أنه لا يعرف ما يفعله».

أما ميتران، فقد كان، بالنسبة لها، وعلى حد اعتراف عشيقها، يان أندريا، الرجولة والجاذبية والشباب والمقاومة، وكانت دوراس تحلم بإجراء هذه الحوارات مع الرئيس ميتران، أرادته حوارا مع «بطلٍ من أبطال اليسار ومع شخص رؤيوي» ولكنها وجدت مقابلها رجلا «استراتيجيا، ساخرا ونرجسيا». حرصت على أن تستفزه من خلال التحدث عن الرئيس الأميركي رونالد ريغان، الذي كانت تحبه كثيرا، مادحةً خطابَهُ المباشر والحيويّ والموجز.

تصف خطاب ريغان بأنه «يشبه الرّيف»، ولكنّ ميتران يقاوم الشَّرَك الذي تحاول أن تنصبه الروائية، يوافقها رؤيتها ولكنه يتساءَلُ عن واقع سياسة ريغان. تحرص دوراس على البحث عن الانفعالات الكبيرة، ولكن ميتران يحاور الوضعيات ببرودة السياسي الماكر، يقول: «الشعبُ الأميركي يمتلك إمبراطورية، ولكن فكرة الإمبراطورية تشبه شرّاً ينهش المرء، يتوجب الكثيرُ من قوة الروح كي تقاوم أميركا هذا النهش». الحوارات أرادت لها دوراس أن تكون عاصفة، من غير دبلوماسية، لكن ميتران لم يسمح لها بتحقيق رغباتها. فيما يخص الهجوم الأميركي على ليبيا واغتيال ابنة العقيد القذافي، تذهب دوراس إلى تبني الموقف الأميركي من دون مواربة، «إن موقف القذافي، الذي هو الكذب باستمرار، لم يَعُد الأميركيون قادرين على تحمله(...). إن القذافي هو المسؤول عن الغارة الأميركية على ليبيا»، ولكن ميتران يرد بأنه «ضد الانتقام الجماعي الذي يضرب الأبرياء».

* مقتطف غير منشور سابقا يصدر الخريف المقبل ضمن كتاب مارغريت دوراس «دفاتر الحرب»

> «لم يكن من شيء يؤلم أمي أكثر من تشكيك أخي في جمالي. صحيح أني لم أكن أمتلك مهرا، وكانت أمي قلقةً جدا من فكرة أنه يتوجب علي، ذات يوم، أن أتزوج. وبمجرد ما أن بلغتُ عامي الخامس عشر، حتى أصبح زواجي موضوعَ البيت الشاغل.

قال أخي الأكبر مخاطبا أمي: «ولو أنك تفعلين كل ما تستطيعينه، ستجدينها بجانبك، حين تصل إلى سن الثلاثين». كان الأمرُ حسّاسا بالنسبة لأمّي فكان ينتابها الغضبُ، وتقول: «غدا، لو أشاءُ لزوَّجْتُها، ولِمَن أشاءُ». كانت فكرة بقائي عانسا تُجمّدني. أما الموتُ، فبالمقارنة مع هذا الأمر، كان يُمثّل لي ضرراً اقل. كنتُ أُنصتُ، وكنتُ أعرف أن أمي تكذبُ حين تزعم أنها قادرة على تزويجي لأيّ كان، ولكني كنتُ أتمنى، مع ذلك، أن أنجح في العُثور على «عريس».