علاء الأسواني: كتبت «عمارة يعقوبيان» وأنا أستعد للهجرة إلى نيوزيلندا

بعد أن اكتسبت روايته لقب أكثر الروايات العربية مبيعا

TT

بصدور الترجمة الفرنسية لروايته الشهيرة «عمارة يعقوبيان» عن «دار أكت سود» في باريس، مؤخراً، وعرض الفيلم المقتبس عنها في «مهرجان برلين السينمائي الدولي»، واستعداده للمشاركة رسمياً في «مهرجان كان» السينمائي، يعود اسم علاء الأسواني إلى المقدمة، من جديد. فقد استطاع هذا الكاتب أن يعيد إلى الأدب العربي ألقه وإلى أدبائه شيئاً من الفرح. فبعد أن اتفق الجميع على غيبوبة القارئ العربي، وخلو الساحة من أي ظاهرة استثنائية تكسر هذه البلادة، بدا علاء الأسواني وكأنه جاء ليثبت العكس، ويؤكد أن الكتاب الجميل ثمة من ينتظره. فمن هو هذا الأديب، وكيف استطاع ان يجعل من الرواية رغيفا طازجا شهيا.

«رفسة من فرس، تركت على الجبين شجا، وعلمت القلب أن يحترس». كلمات جاءت في إحدى قصائد الشاعر الكبير أمل دنقل، ويحفظها الكثيرون، إلا أن الدكتور علاء الأسواني يعتبرها ملخصاً لمواقف عدة في حياته الأدبية التي مرت بسنوات طويلة من الإحباط، حتى استطاع أن يثبت نجاحه، ويجبر الآخرين على الاعتراف به، ليصبح رغم أنف من عارضوا مشروعه الأدبي صاحب أكثر الروايات مبيعا في العالم العربي.

ولد علاء الأسواني صاحب رواية «عمارة يعقوبيان» ـ التي سيشاهدها الجمهور العربي في فيلم سينمائي الصيف المقبل ـ في القاهرة يوم 26 مايو (ايار) 1957 لأب عرف عنه حبه للثقافة، انه المحامي والكاتب المعروف عباس الأسواني الذي يصفه ابنه علاء بأنه كان منجم ذهب ظل يغرف منه حتى رحيله.

يقول علاء الأسواني عن والده: «كان علامة خارقة في حياتي، تعلمت منه كل شيء جميل، ليس في ما يخص علاقتي به كابن فقط، ولكن أيضا في تكوين ثقافتي وعقليتي الأدبية. فعندما لاحظ أبي أن ابنه الوحيد مهتم بقراءة أنواع الأدب المختلفة، شجعني وفتح لي باب مكتبته وطلب مني أن أبدأ بقراءة الأدب العربي، ثم الروسي المترجم، وبعدهما ما أريد من آداب العالم. وكان مبرره في ذلك أن الأدب العربي يتسع لكل الآداب كما أن اللغة العربية ذات مفردات لا يستطيع أحد أن يجدها في لغة أخرى، تليها اللغة الروسية وأدبها».

ويضيف علاء الأسواني قائلا: «لم يكن أبي منغلقا على عمله وكتبه فقط، ولكنه كثيرا ما اصطحبني لدور المسرح ولم يكن عمري تجاوز الحادية عشرة».

رفض الإغراء الأميركي

عندما بلغ علاء العشرين رحل عنه الأب: «كانت صدمة عنيفة، فليس من السهل أن يفقد الإنسان أعز أصدقائه وأقربهم إلى نفسه». بدأت علاقة الأسواني بالكتابة أثناء دراسته الثانوية ولكنها كتابات لم تكتمل، وعقب تخرجه من كليه طب الأسنان مطلع الثمانينات، سافر إلى الولايات المتحدة لإكمال دراسته العليا في جامعة «الينوي»، وهناك تلقى، بسبب كفاءته، العديد من العروض للبقاء والتجنس بجنسيتها. كان العرض شديد الإغراء ولكن إغراء العودة لممارسة الكتابة أكبر، وهو ما يصفه بقوله: «لو كنت حسبت ذلك العرض بميزان العقل، اعتقد أنني كنت سأواصل حياتي هناك متخذا قرارا بعدم العودة، لكن حنيني للكتابة من داخل مصر، لأكون أقرب إلى البيئة التي نشأت فيها، كان أشد من كل الإغراءات وموازين العقل لأنني لا أحب أن اكتب من مخزون الذاكرة».

رفضت روايته الأولى ومثلها الثانية

شهد عام 1990 ميلاد أول قصة لعلاء الأسواني، حملت عنوان «الذي اقترب ورأى»، وهي عن شاب محبط من الأوضاع القائمة في مصر، يهاجم الحكومة لأنه يراها سبب إحباطه. وحين عرض الأديب روايته على الهيئة العامة للكتاب رفضت طبعها، لظنها أن القصة سيرة ذاتية لمؤلفها وأنه هو من يهاجم الحكومة، مما دفعه لطبع 300 نسخة على حسابه الخاص، ووزعها على أصدقائه وعدد من الأدباء، وكلهم شجعوه وطالبوه بمواصلة الإبداع. ولم تر الرواية النور إلا عام 1994 عندما قررت «دار سبيل» نشرها. وكما الرواية الأولى رفضت هيئة الكتاب المصرية نشر روايته الثانية عام 1998 وكانت بعنوان «جمعية منتظري الزعيم»، وهي عن مجموعة من كبار السن يحاولون تحضير روح مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر وزعيم الوفد قبل قيام ثورة 1952. وكانت مبررات الهيئة في الرفض أن الرواية ذات مضمون سياسي، وأسلوبها الأدبي لا يشجع على نشرها.

يصف الدكتور علاء الأسواني تلك اللحظات بأنها أصابته بإحباط شديد مما جعله يفكر في الهجرة إلى أبعد مكان عن مصر.

حزم الحقائب واستعد للرحيل

ويضيف قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «كان هذا نهاية عام 1998 وقتها كانت فكرة رواية «عمارة يعقوبيان» قد تولدت لدي وبدأت في الإعداد لها واتخذت قراري بالهجرة خارج مصر بعد الانتهاء من كتابة الرواية. وظللت أبحث عن مكان أستعد للهجرة إليه وقمت بعمل بحث على شبكة الإنترنت فوقع اختياري على دولة نيوزيلندا، فبدأت أجمع عنها كل المعلومات المتاحة صغيرها وكبيرها استعدادا للرحيل حتى أنني أصبحت على معرفة بكل تفاصيل الحياة هناك كما لو كنت قد عشت فيها».

شرارة «عمارة يعقوبيان»

لعمارة يعقوبيان قصة طريفة يرويها علاء الأسواني قائلا: «كنت أسير في أحد شوارع حي غاردن سيتي العريق بوسط القاهرة قرب السفارة الأميركية، يومها كان العمل يجري لهدم إحدى العمارات السكنية فوقعت عيني على بقايا أثاث شقق تلك العمارة، مكتب قديم، شباك خشب، مرآة عتيقة، كل هذه الأشياء جعلتني أتوقف أمامها، وتساءلت بيني وبين نفسي: ترى كم رسالة حب كتبت على هذا المكتب؟ وكم وجه طالع تلك المرآة؟ وكم شاب وقف في الشباك في انتظار ظهور حبيبته من شباك البيت المقابل، ولأنني أكتب بنظام الملفات بمعنى أنني أجمع المعلومات عن الشخصية التي أكتب عنها وأعمل لها ملفاً خاصاً بها، ساعدني على ذلك عملي كطبيب أسنان أقابل كل يوم عشرات الناس والشخصيات، يومها قررت أن أبدأ في كتابة «عمارة يعقوبيان»، واخترت الاسم من إحدى اشهر عمارات منطقة وسط البلد في القاهرة. واستمرت كتابتي لهذه الرواية نحو ثلاثة أعوام وكنت أكتبها وأنا أشعر أنني يا قاتل يا مقتول، بمعنى أن المجتمع إما أن يعترف بموهبتي أو أرحل».

بعد انتهائه من «عمارة يعقوبيان»، كانت الأقدار ترتب لعدم رحيله عن مصر، فقد قرأ الرواية عدد من أصدقائه الضالعين في الحياة الأدبية، وبينهم جلال أمين، وبهاء طاهر، وجمال الغيطاني، رئيس تحرير مجلة «أخبار الأدب» الذي بدأ في نشرها على حلقات في المجلة مطلع عام 2002، وهو ما دفع علاء الأسواني إلى التراجع عن الهجرة، بعد أن قوبلت الرواية بالكثير من الترحيب من جمهور المثقفين والقراء.

الخوف من طباعة الرواية في بيروت

يقول علاء الأسواني: «عقب نشر الرواية في مجلة «أخبار الأدب» على حلقات، تلقيت عرضا من دار «رياض الريس» في بيروت لنشرها في بيروت، ولكنني خشيت إذا ما فعلت ذلك أن تمنع من دخول مصر، فرفضت. بعدها تلقيت عرضا من «دار ميريت»، وصدرت الطبعة الأولى منها لتنفذ في أسابيع قليلة، وتنتقل إلى «دار مدبولي» التي تولت طبع كل نسخها التالية والتي بلغت حتى الآن ثماني طبعات، مما جعلها من أكثر الروايات العربية مبيعا على مدى تاريخ الروايات العربية».

وفي عام 2004، قرر الأديب علاء الأسواني أن يقدم الأعمال التي لم تتح للقراء فرصة قراءتها فانتقى بعض الروايات القصيرة وأصدرها في مجموعة أسماها «نيران صديقة»، قال عنها: «هذه المجموعة من أفضل ما كتبت. وقد صدر من الكتاب 4 طبعات خلال سنة ونصف فقط». وإلى الآن، ما زال علاء الأسواني يمارس مهنته كطبيب أسنان، مبررا ذلك بأنه لا يريد أن تصبح الكتابة وسيلة يتكسب منها عيشه، بل هواية يتنفس ويحلم من خلالها.