سبعة مغامرين يستلهمون رواية «الخيمائي» للعثور على كنزهم الضائع

فيلم سينمائي يصنعه خارجون على قانون اللحظة

TT

أن تضيء شمعة خير من ان تلعن الظلام، وأن تبادر مجموعة من الشباب خريجي المعاهد السينمائية لإنتاج فيلم سينمائي، يعتمد على تقنية الفيديو، فذلك أفضل بما لا يقاس من انخراطهم في موجة الحديث المستعاد الى حدود الملل، عن أزمة السينما اللبنانية، ومعاناة ناسها المتجسدة في ضآلة فرصهم المهنية. هذا على الاقل ما يحاول فعله أشخاص لا يتجاوز عددهم السبعة، جمع بينهم هوس الرغبة في التوفيق بين ما هو كائن، وما يجب أن يكون. مجازفة؟ هي كذلك حتما، لكن من قال إن الانجازات النوعية ممكنة من دون عناصر دعم متنوعة، تأتي المجازفة المحسوبة في مقدمها؟

Amour d`enfant أو «حب طفولي» هو عنوان فرنسي لفيلم لبناني ناطق بالعربية، ومتأثر بأجواء رواية «الخيمائي» للكاتب الارجنتيني باولو كويليو، يجري العمل على انجازه حاليا في محلة المعاملتين، شرق العاصمة بيروت، حيث يجتمع يوميا فارس خليل، كاتب السيناريو ومخرج الفيلم، مع جيسكا جلالاتي شريكته في الكتابة ومساعدته في الاخراج، اضافة الى المنتج المنفذ جوزف خلوف ومدير الانتاج الياس سلامة والمدير الفني فادي الهاشم ومعاونه هاني هاني، الى شربل خويري مدير الموقع. وهناك يتحول المغامرون، هؤلاء الذين وظفوا مدخراتهم المتواضعة في سبيل انجاز المشروع، الى حفنة من الحالمين باقتحام بؤرة الضوء، اعتمادا على رؤية فنية استمدوا بعض مكوناتها الاساسية من استاذهم منير معاصري، وهو مخرج سينمائي، انجز العديد من الاعمال، وانتهى مؤخرا من تصوير فيلم «ابانا الذي على الارض»، الذي صنفه النقاد كفيلم متميز، ينتظر أن يلقى الكثير من القبول، وقد صور كذلك بتقنية الفيديو. الفيلم، كما يشرحه فارس خليل، يعتمد على حبكة بسيطة، جوهرها علاقة انسانية بين الشاب طوني، المهندس الزراعي التائق لتحقيق بعض أحلامه البسيطة، والفتاة كارين كاتبة السيناريو التي يصعب عليها التوازن في واقعها المعيشي. يتعرف الاثنان على بعضهما في ظروف استثنائية، وتتوطد بينهما صداقة لا تلبث ان تتحول الى حب، من دون أن يسعيا الى ذلك. لكن الصدفة أو القدر، كما يفضل فارس أن يعبر، يحلو له أحيانا امداد الناس بوسائل مجانية لجعل الحياة أقل صعوبة مما تبدو عليه للوهلة الاولى. يقول فارس خليل، إن الفكرة أتت من فقدان المجموعة قدرتها على الانسجام مع منطق السوق: «ما يعرض علينا من أعمال لا يوافق تطلعاتنا، ولا يفسح أمامنا المجال لقول ما نريد»، لكنه يستدرك: «لا أقصد الاستهانة بالجهود المبذولة في الساحة السينمائية حولنا، لكنني أعبر فقط عن عدم انسجامي مع معظمها».

ألهذا السبب اخترتم «الحب الطفولي»، الذي يمثل مصطلحا يكاد يؤول الى الانقراض؟ يرد فارس: رأينا ان الحياة صارت معقدة أكثر مما يجب، وكان لا بد من اعادة تبسيطها من مدخل الحب، كونه العاطفة الانسانية الارقى. قيل الكثير في الحب، وجرت معالجته بمليون طريقة، نحن نقترح توصيفا له مستندا الى أسس بسيطة، ونقية. لكن، هل يمكن لفيلم سينمائي، متواضع الامكانات، أن يصلح ما أفسده دهر من الحداثة والتقانة المفرطة في تداعياتها؟ يسارع الى الاجابة، كمن يزيل سوء تفاهم عابر: ندرك جيدا حجم الصعوبات، لكن ذلك، لا يعفينا ولا يعفي سوانا من طرح الرؤى، على أمل التخفيف من حدة الواقع، ثم يستطرد: ندرك ألا وجود لعصا سحرية تزيل عن حياتنا ما التصق بها من شوائب، لكننا نؤمن باليقين ذاته، أن هناك ضرورة، للارتقاء بالاشكاليات القائمة، نحو اصناف أخرى أقل قتامة وعبثية. وهذا ببساطة ما يحاول الفيلم ايصاله. ما معالم الصلة التي تربط قصة الفيلم برواية «الخيمائي» للكاتب الارجنتيني باولو كويليو؟

يستعيد فارس هدوءه، بعد ادراكه انه نجح في ازالة الالتباس، ويجيب: الفيلم لا يمثل اقتباسا عن رواية كويليو، لكنه يستوحي بعض مناخاتها. وبدقة أكبر فان مساحة التقاطع تكمن في نقطة جوهرية، تجسدها فكرة أن الانسان المعاصر يبحث دوما عما يحسبه حلولا لمشاكله الشخصية في البعيد، ثمة جيل كامل يفكر بالاسلوب نفسه الذي اعتمده سانتياغو، بطل الرواية، عندما حلم بالكنز الذي ينتظره في اهرام مصر، فهاجر اليها متحملا الاهوال، ليكتشف متأخرا ان الكنز الفعلي موجود حيث كان يقيم أصلا، ولطالما كان قريبا منه من دون أن يشعر به. هو يتعرف في سياق رحلته الى الرجل الحكيم صادق ملكي الذي يبرهن له كيف ان الانسان لا يتبين أحيانا أعظم كنوز الدنيا لانه يجهل قيمتها الحقيقية. هكذا حصل مع بطلي الفيلم، طوني وكارين، اللذين اهتديا في غمرة المتاهة الى ما يملكانه من مشاعر نقية، التي وان كانت لا تحل مشاكلهما بقدرة قادر، الا أنها تجعل حياتهما ممكنة.

يسكت فارس عن الكلام المباح، فتغادره وانت غير الشخص الذي كنته قبل ان تستمع اليه، وثمة سؤال يتملكك: ترى هل اهتدى المشعوذون الجدد الى حجر الفلاسفة الذي يحيل كل شيء الى ذهب؟! وماذا عن اكسير الحياة؟