الأمم المتحدة.. أفشل حارس للسلام في العالم؟

شعارها «إرفع صوتك عاليا.. ثم أترك أميركا تمرر كل الأشياء»

TT

«منظمة الأمم المتحدة هي آلية للكذب من أجل السلام» هكذا قال كورت فالدهايم، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة مرة. أما الجنرال شارل ديجول فقد قال: «ما هذا الشيء ـ يقصد الأمم المتحدة ـ الذي تتحدثون عنه، إنه أهون من أن يذكره أحد». وقالت مادلين أولبرايت «الولايات المتحدة وليس الأمم المتحدة، هي التي تحفظ توازن النظام الدولي». وأخيرا فإن جون بولتون، أحد صقور الخارجية الأميركية، علق قائلا «لا توجد أمم متحدة، إنما يوجد مجتمع دولي تقوده الولايات المتحدة».

يعتبر الدكتور سعيد اللاوندي، مؤلف كتاب «وفاة الأمم المتحدة، أزمة المنظمات الدولية في زمن الهيمنة الأميركية»، الصادر أخيرا عن دار نهضة مصر بالقاهرة، الأمم المتحدة، وكأنها «خيال الظل أمام صلف القوة الأميركية الباطشة التي لا تقبل إلا صورة الانصياع الكامل من جانب الأمم المتحدة، وإلا فالقرار سيكون انفراديا». ويريد أن يدلل على ذلك بقوله: «دعونا نتخيل أن الـ 50 ألف موظف الذين يعملون بها قد أضربوا عن العمل لمدة شهر، ثم فلنسأل أنفسنا: هل تغير شيء». الإجابة بالطبع ستكون لا، ربما ما يغيب هو فقط برقيات التعازي التي سيبعث بها الأمين العام للأمم المتحدة مواسيا أهالي الضحايا. حدث ذلك عندما بلغ عدد ضحايا مجزرة سربرنيتشا في يوغسلافيا نحو 700 ألف، وعندما تجاوز عدد ضحايا رواندا النصف مليون، والأمر نفسه تكرر بشأن الحرب على العراق، وعندما فجرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي في عام 1981، وفي مذبحة جنين، حين أمر الأمين العام بتشكيل لجنة تقصي حقائق، وحدد أسماء أعضائها وانتظر كي تقبل إسرائيل بها، وعندما طال انتظاره، أعلن حل اللجنة ولم يحرك ساكنا بعد ذلك.

ما يهدد الأمم المتحدة أيضا، كما اشار الكتاب، هو دأب الولايات المتحدة منذ فترة على إفساح المجال أمام ذراعها الحديدية (حلف الناتو)، على حساب تقليص دور الأمم المتحدة في قضايا عدة، ثم إهمالها في اجتماعات مجلس الأمن، التي يرى كولن باول، أنها اصبحت غير ذات جدوى، وربما يكرر التاريخ نفسه إذا تذكرنا أن الولايات المتحدة التي تسعى لقتل الأمم المتحدة هي ذاتها المسؤولة عن موت عصبة الأمم، خاصة مع تشابه الظروف.

ولعل أصدق مثال على موت الأمم المتحدة، الوثيقة البريطانية التي نشرت قبل أيام، وذكرت أن قرار غزو العراق كان متخذا منذ فترة ومن ثم فأي تصويت في مجلس الأمن ـ أيا كانت نتيجته ـ لن يلغي أو يعطل هذا القرار.

الأمم المتحدة، يقول سعيد اللاوندي، ليست موجودة، أو هي، في الأقل، أصبحت في حكم الميتة في المرحلة الحالية، فقد انتهى يوم 12 سبتمبر (أيلول) 2001، عصر القانون الدولي وبدأ فعليا عصر القوة.

يقول المؤلف: «إن المنظمة نشأت على أنقاض عصبة الأمم التي ماتت في سبتمبر 1939، مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، وآلت ممتلكاتها إلى الأمم المتحدة التي وقعت 26 دولة على إنشائها في يناير (كانون الثاني) 1942، ولقد تحمست لها الدولتان العظميان في ذلك الحين، وظهر ميثاقها كثمرة للحرب ولشروط المنتصرين، وبدا رمزها وهو غصنا زيتون يلتفان حول الكرة الأرضية وكأنه يعكس واقع الحال، فدول الشمال تفرض هيمنتها على دول الجنوب!».

وراقة العالم

يبدو طريفا ما يذكره الكتاب من أن الأمم المتحدة هي أكبر مستهلك للورق، إذ تصدر عنها يوميا آلاف الصفحات بلغات شتى تحمل قرارات وتوصيات لا تساوي قيمة الحبر المكتوبة به، ويعمل بها أكثر من 50 ألف موظف يتقاضون رواتب ضخمة، وقد بلغت ميزانيتها عام 2000 نحو 1.3 مليار دولار يتم إنفاقها جميعا في ما لا يفيد، وأغلب الوقت الخزانة فارغة.

ومن الانتقادات المهمة التي يسوقها الكتاب في حق «خيال ظل العالم»، أن هناك ازدواجية في المعايير، والجمعية العامة ليست إلا منظمة للشكاوى وحق المناقشة فيها مطلق، لكنها لا تفعل أكثر من أن تكرر ما سبق أن قاله مجلس الأمن.

أما أهم معايير المرشحين لمنصب السكرتير العام للأمم المتحدة، فهي تتم على هوى الدول الخمس الكبار، وهو ما يجعل منظمة الأمم المتحدة في النهاية ليست إلا صرحا يتباهى بارتفاع طوابقه الـ 38، وربما لهذا السبب فالمؤلف يرى أنها ليست إلا حجرة كبيرة تسجل فيها القرارات المأخوذة سلفا في البيت الأبيض، وانها ليست سوى جهاز تابع لاميركا التي تشترط لكي تدفع حصتها فيها، أن تحصل على كل ما تريده «الزبدة» و«أموال الزبدة» معا بحسب التعبير الفرنسي.

الأمم والعراق

عندما طلب كويزومي، رئيس وزراء اليابان، من الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، أن يكون للأمم المتحدة دور في العراق، كان تعليقه «يمكنني أن أتفهم وجهة النظر هذه، لكن المشكلة هي أن الأمم المتحدة، أصبحت قديمة ويتعين تغييرها». ويرى سعيد اللاوندي أن هذه العبارة صحيحة إلى حد بعيد، فقرارات الأمم المتحدة في العراق لا تخدم الولايات المتحدة، ولعل أبرزها القرار 1441 الصادر في 8 أكتوبر (تشرين الاول) 2002، والقرار 1472، والقرار 1483، والقرار 1500، والقرار 1511، وكلها قرارات تصب في النهاية لصالح أميركا.

ويشير الكتاب، مستشهداً باستخدام نظام العقوبات، إلى أن المنظمة لم تنجح في تحقيق الأهداف المرجوة بشكل كامل إلا في أربع عشرة مرة فقط من واقع مائة مرة، كما أن العقوبات التي فرضت على الدول الديكتاتورية قد فشلت بنسبة 98% من واقع ما يزيد على مائة حالة.

يخلص الكتاب إلى أن حرب أميركا ضد العراق كشفت هشاشة وهوان الأمم المتحدة كمنظمة تحكيم دولية، لأنها انتقلت من موقع السائق الذي يقود العلاقات الدولية بما يحفظ لكل الدول حقوقها ويصون سيادتها إلى موقف التابع الذي يمشي ذليلا منكسرا وراء سائق آخر لا يحكمه أو تضبط مسيرته سوى أهواء ومطامع ذاتية.

الأمم المتحدة بحسب الكتاب ـ الذي تجاهل الكثير من الأدوار الإيجابية للمنظمات والهيئات التابعة لها ـ لم يعد أحد في حاجة إليها في صورتها الحالية، ولئن كانت تريد البقاء حارسا أمينا على السلام العالمي، فيجب أن نوفر لها كل الضمانات لكي تعود إلى موقع السائق، وإلا فإن منطق القوة العمياء الباطشة هو الذي يسود وعندئذ لن يفيد ندم على لبن مسكوب.