«عشرة آلاف وردة» لنساء كندا

مستجدات العصر خلقت نوعا جديدا من أشكال الاستغلال والعنف وتسليع المرأة

TT

«عشرة آلاف وردة» كتاب يؤرخ للحركة النسوية في كندا، للباحثة والناشطة النسوية جودي ريبيك، تلتقي فيه الكاتبة بعدد كبير من الناشطات النسويات اللواتي شكلن الحركة النسوية في كندا وما زلن يناضلن لتحقيق مكاسب أخرى تخص رعاية الأطفال والحد من العنف والفقر والاضطهاد وتحقيق الأجر المتساوي لقاء الأعمال نفسها لكل من الرجل والمرأة.

لا يوثق كتاب «عشرة آلاف وردة» لمسيرة الرائدات في الحركة النسوية الكندية، ونضالاتهن وما حققن من منجزات حتى عام 1995، بل يتناول، وهذا هو الأهم، الكيفية والوسائل التي تم من خلالها تحقيق هذه المنجزات التي تنعم بها نساء اليوم، والتي لم تكن سهلة اطلاقا، بل مرت بصراعات واحباطات وعوائق شتى، خاصة في ما يخص موضوعات منع الحمل والإجهاض وظروف العمل التي تفتقر الى الشروط الصحية.. الخ. هذه الحركات، التي تبلورت وقامت على يد غالبية يسارية، لم تتقوقع على نفسها بل التقت مع كافة قطاعات المجتمع، باختلاف توجهاتهم السياسية أو الدينية او العرقية فسجلت بذلك ارشيفا يمكن دراسته والاقتداء به من قبل نساء العالم اللواتي ما زلن يعملن بعزم وصبر على تغيير القوانين الشخصية والمدنية، وإحلال العدالة والمساواة والكرامة للجميع وبناء مستقبل سليم لكافة ابناء المجتمع مستقبلا.

عبر صفحات الكتاب نقرأ الكثير من الأقوال والشهادات التي تكشف لنا الفارق بين جيل وآخر، بين متطلبات الحركة النسوية في جيلها الأول والثاني والجيل الثالث الحالي. وهذه فقرة من مقدمة الكتاب تقولها احدى النساء ونلمس من خلالها مقدار التطور الهائل الذي تحقق خلال نصف قرن من الزمن في كندا والعالم: «عندما تخرجت في جامعة (ميغيل) في مونتريال عام 1967 وأردت العمل كصحافية، ذهبت مع زملائي للتقديم للعمل في محطة الراديو المحلي. حين التقاني مدير القناة الاذاعية قال: نحن لا نعين نساء في غرفة الأخبار، فقلت مستفسرة: ولماذا؟ فأجاب: لأن الرجال هنا يشتمون ولن يشعروا بالراحة اذا كانت النساء حاضرات في المحيط».

فأجبت: «أنا لا يهمني اطلاقا هذا الهراء». أبعدوني عن العمل، ليس فقط لأني امرأة، بل امرأة وطويلة اللسان أيضاً. فلننظر ونتذكر كم تقدمنا خلال جيل واحد، ولنحاول أن لا نعود الى الوراء اطلاقا.

الإجابة عن هذا السؤال جاءت في الكتاب بهذه الصورة التفصيلية القاسية التي تكاد تنطبق على نساء الشرق والغرب على حد سواء، مع اختلاف مراحل انجاز هذه الحريات او الحقوق، بعضها أو جزء منها:

«لأن عمل المرأة لا ينتهي أبداً ولأنه غير مدفوع الأجر، ولأنه ممل، ولأنه تكراري، ولأننا أول من نطرد من الأشغال حين نعمل خارجاً، ولأن ما نظهر عليه يكون أكثر أهمية مما نقدمه كعمل، ولأننا اذا تعرضنا للاغتصاب، فإن ذلك خطأنا نحن ويجب أن نضرب ونعامل بالسوء، وإذا ضربنا من المفترض أن نخفي ذلك ونتغاضى عن الفاعل، أما اذا رفعنا أصواتنا فذلك لأننا منحطات، وإذا سألنا الطبيب كثيرا من الأسئلة فهذا لأننا ثرثارات، وإذا توقعنا أن نحصل على رعاية وحضانة أطفالنا فذلك يعني أننا أنانيات، وإذا كافحنا من أجل حقوقنا فهذا يعني أننا وقحات وتنقصنا الأنوثة، وإذا تغاضينا عن هذا فإننا نكون نساء تقليديات وضعيفات، وإذا كنا في مرحلة الزواج فإن خروجنا هو فقط لصيد الرجال، واذا لم نتزوج نكون غير طبيعيات.. الخ».

الكتاب يعج بالأمثلة والشهادات والأحداث الواقعية التي شهدتها النساء اللواتي كن الجزء الفاعل في صنع التغيير وتحقيق الكثير من المكاسب حتى بات الحديث اليوم عن «النسوية» يواجه بشيء من الاستنكار او الحرج او عدم الوضوح، لأن نساء اليوم في شمال أميركا وبعض بقاع اوروبا لا يجدن أي ضرورة لهذا العمل النسوي، فهن ينعمن بما حصلت عليه الأجيال الأولى والثانية من الحركة النسوية. وتسعى الكاتبة جودي ريبيك، لتفنيد هذه الآراء، بقولها ان مستجدات العصر لا تزال تخلق نوعا جديدا من العلاقات التي لا تخلو من الاستغلال والاعتداء والعنف وتسليع المرأة، بالإضافة إلى أن إحدى مهام النساء في هذه المرحلة، هي السعي لتكريس السلام والوقوف ضد الحروب والفقر في جميع بقاع العالم.

لماذا عشرة آلاف وردة؟

تقول الناشطة النسوية والباحثة الاجتماعية جودي ريبيك في مقدمة كتابها، ان اختيار هذا الاسم كعنوان للكتاب جاء تخليدا لمناسبة استثنائية حدثت في كيبيك ـ كندا، عام 1995، حين قامت النساء بمسيرة من مونتريال الى كيبيك، وذلك من اجل الحد من الفقر، وكان عددهن حوالي ثمانية آلاف امرأة. وحين عبورهن بالقرى والضواحي في كيبيك، كان الناس يخرجون الى الشوارع للتحية والمشاركة، وكانت كذلك أجراس الكنائس تقرع تهليلا ومناصرة لهن. وكان هناك رجل يملك مزرعة خاصة للعناية بالأزهار، وعندما عبرت المسيرة في جواره في منطقة (درومنفيل) تأثر كثيراً وسحره المشهد فحمل «عشرة آلاف وردة» الى مركز مدينة كيبيك، وهناك وزعها على الحضور من الرجال والنساء كتحية ومعاضدة.

الخبز والورد

وقبل ذلك، أصبح الورد والخبز صورة وأغنية رمزيتين للحركة النسوية العاملة والساعية لتحقيق مطالبها واحتياجاتها الجسدية والروحية، التي ظهرت كشعار رفعته إحدى النساء المتظاهرات في معامل النسيج، اللواتي أضربن عن العمل بسبب سوء الأحوال الصحية في المعمل، التي كانت تودي بحياة عدد كبير من النساء في مقتبل أعمارهن. كان ذلك في نيويورك عام 1908، حين تظاهرت اكثر من 15 ألف امرأة عاملة، بعد الحريق الذي وقع في أحد مصانع النسيج ولم يتم إنقاذ النساء العاملات، وتوفيت في ذاك الحادث 128 امرأة عاملة.

تم تلحين هذه الكلمات وغناؤها بعدة لغات عالمية، حتى أصبحت ما يشبه نشيداً «أممياً نسوياً» تردده نساء العالم في مسيراتهن السنوية، كذلك في عيد المرأة العالمي كوقفة تذكارية لما قاسته المرأة في مراحل نضالها في كل بقاع العالم.

* كاتبة سورية مقيمة في كندا

www.jackleensalam.com