الكتاب المغاربة الجدد باللغات الأجنبية أحرار يعشقون المحظور

مؤثرون في أوروبا ومجهولون في أوطانهم

TT

مبدعون ينتمون إلى الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين المغاربة، بدأوا يشكلون ظاهرة لافتة ومؤثرة. هؤلاء ولد بعضهم في أوروبا، ولم يعرفوا إلا لغة البلد الذي عاشوا فيه، فكتبوا بها عن هذا المغرب الذي لم يعرفوه ولم يكتشفوه إلا فيما بعد، عبر زيارات صيفية، أو حكايات الأهل.

يقول الشاعر المغربي بالفرنسية عبد الإله حمودان ان: «الحديث عن الاغتراب شيء غير مفهوم بالنسبة للاديب. وكل كاتب هو مغترب بالفطرة لانه يشتغل على الخيال»، لكن القضية اعمق من ان نتجاوزها بهذه الفذلكة الجميلة. ففي هولندا مثلا، لوحظ في السنوات الاخيرة، ظهور مجموعة من الكتاب الشباب المتحدرين من اصول مغربية، يكتبون بالهولندية التي لا يتقنون سواها، وحاز بعضهم جوائز ثقافية مرموقة في الاراضي المنخفضة، في السينما والتلفزيون والرواية والشعر والمسرح. فقد حصل عبد القادر بنعلي على جائزة «ليبريسبرايس» اهم تتويج ادبي في هولندا وعلى جائزة اهم رواية اجنبية تترجم الى الفرنسية في السنة الماضية. واصبح مصطفى ستيتو واحداً من أفضل شعراء هولندا المعاصرين، اضافة الى حسن حجي. وهكذا اصبح هؤلاء الشباب الذين ولدوا مطلع سبعينات القرن الماضي ذوي وزن وتأثير في الساحة الاعلامية والسياسية الهولندية رغم كونهم مجهولين نسبيا في المغرب. وترجم بعضهم الى الفرنسية، في حين لم ينقل أي من نصوصهم الى العربية بعد.

فإلى أي وطن واي لغة يحس هؤلاء بالانتماء؟ وكيف يعيشون العلاقة مع المغرب، وطنهم الأصلي، الذي لم يعرفوه الا في الاجازات، ولا ينطقون لغته الا بصعوبة كبيرة، رغم انه يلتصق بجلودهم وسحناتهم؟

تلك هي الاسئلة المركزية التي حاول هؤلاء المبدعون الاجابة عنها في ندوة «داخل النص وخارج الوطن» التي انعقدت اخيرا في طنجة، على مبعدة امتار قليلة من مضيق جبل طارق، الذي يفصل بين فضاء الجذور وافق الهوية المشتتة بالنسبة لهذا الجيل من الكتاب.

يقول الروائي عبد القادر بنعلي (مواليد 1975) عن تجربته: «اقيم في هولندا حيث ينظرون الي كأجنبي، رغم انني ذهبت اليها وكنت في الثالثة من العمر. وعندما اعود الى المغرب ينظر الي كأجنبي أيضاً، لأنني أتحدث الدارجة بصعوبة شديدة. هكذا يتنقل منفاي معي أينما ذهبت. منذ طفولتي كنت قارئا نهما لأن مشروعي كان كبيرأ وصعباً: أن أصبح مغربيا بالاستماع الى موسيقى الراي وتعلم لغة وتقاليد البلد الذي قدم منه والداي. لذا فروايتي الاولى «زواج بالبحر» هي نتيجة بحث عن الهوية، ما زال يحركني حتى اللحظة».

ويقول الكاتب سعيد حجي (مواليد 1976): «عملي استمرار لعمل محمد شكري الذي لم اكن قد قرأته، حين كتبت أولى رواياتي. أشاركه موضوع علاقة الذات بالاب والوطن. وروايتي الاخيرة تدور حول العزلة. عندما نكون في عالم الخيال لا توجد حدود، نعيش احرارا ولا يهمنا الا ابداعنا. صحيح انه لا يمكن لأحد ان يعيش في غياب الجذور، لكن الكتابة هي بحد ذاتها انفصال عن الجذور: وهنا تكمن المفارقة الكبرى للابداع».

اما محمد حمودان فيقول: «ذهبت من الرباط الى باريس في سياق منفى اختياري. وأصبحت اعيش في الضواحي الباريسية التي تشكل فضاء الأجانب مقارنة بوسط المدينة. كأن الضواحي تحولت الى صورة مصغرة للمستعمرات القديمة لفرنسا. وما تمرد الضواحي الا تعبير مادي عن بؤس العيش على هامش المجتمع. اذا كان بعض شبان الضواحي يعبرون عن شقائهم بالتكسير والتظاهر، فان الكاتب المغترب يعبر عن نفس الاحساس بطريقة اخرى».

ويتحدث عبد الله الطائع (مواليد 1973)، الذي اشتهر بمجموعاته القصصية، واهمها الاخيرة «احمر الطربوش»، عن تجربته قائلاً: «انتمي الى جيل اراد له البعض ان يظل غير مسيس. ومن هنا تنبع قطيعتي مع الكتاب السابقين المناضلين»، وربما كان محمد شكري، هو الوحيد الذي يجسد بالنسبة لي مثالا في الكتابة، بفضل تشابهي معه في كتابة السيرة الذاتية التي تعيد تركيب الواقع. انا في قطيعة مع «المناضلين» الذين يرغبون في احتكار كل المساحة المعاصرة من التاريخ الادبي للمغرب. كما انني في وضعية تناقض مع مجتمعي الذي يخنق الفرد نفسيا واجتماعيا. واذا كانت كتابتي متمحورة حول الذات فلانها لا تحاول ان تتجاهل الواقع بل ان تعريه. وقبل ان ادخل الى عالم الادب حاولت ان اصبح مخرجا سينمائيا لأفلت من نظرة الآخرين، وفشلت في ذلك ثم هاجرت الى باريس التي منحتني المساحة النقدية الكافية تجاه مجتمعي كي استطيع الكتابة عنه».

وحول الجيل الجديد من الكتاب المغاربة المقيمين بالمهجر، يقول الكاتب والناقد المعطي قبال، وهو احد اكثر المنصتين الى اصواتهم بحكم اهتماماته النقدية وعمله في معهد العالم العربي بباريس: «هناك جيل جديد ثالث من كتاب الهجرة المغاربة الذين نشأوا في الغرب، وولد اغلبهم في بدايات السبعينات من القرن الماضي. في هولندا مثلا فاجأت اسماء عبد القادر بنعلي، وحفيظ بوعزة، وسعيد حجي المتتبعين. فهؤلاء يتميزون بكتابتهم عن المغرب انطلاقا من المتخيل. فهم لم يكتشفوه الا لاحقا، وعبر مساحة زمنية ومكانية سمحت لهم بتقديم رؤية جديدة حوله. واضافة الى تصوير تناقضات الحياة اليومية في الغرب فهم يتميزون بالقدرة على السخرية من الذات والعالم، وبقدر كبير من الحرية لا يوجد عند نظرائهم الذين كتبوا بالفرنسية. عند الكتاب المغاربة بالهولندية لا توجد علاقة معقدة او عنيفة مع اللغة، فهي وكأنها لغتهم الام، لذا تراهم متحررين من حذلقة الكتاب المغاربة بالفرنسية، الذين ما زالوا يشعرون بالرغبة في التشبه بالفرنسيين في لغتهم، وبالخوف من هذه اللغة، لأنها لغة المستعمر (بكسرها). وهو خوف بدأ يتبدد جزئيا عند الجيل الجديد الذي هاجر الى فرنسا في الثمانينات والتسعينيات لاسباب اقتصادية او شخصية. وهكذا بدأت تظهر لدى مجموعة منهم مواضيع تفاجئ بجرأتها في تناول المحظور، مثل قضايا الجسد والشذوذ الجنسي مثلا».