«فيلا أماليا» عمل جديد للفرنسي باسكال كينيارد

أنا أكتبُ لأنّ الكتابة هي الطريقة الوحيدة للتحدث من خلال الصمت

TT

يتمتع باسكال كينيارد بموقع متميز في الثقافة الفرنسية الحالية، إذ يجمع النقاد على اعتباره واحدا من روّاد الكتابة، ولكنه في نفس الآن لا ينجح في استقطاب قراء كثيرين، فهو نخبوي وشائك.

على الرغم من فوز باسكال كينيارد بجائزة «الغونكور» سنة 2002، عن عمله اللافت «الأطياف التائهة»، فإنه يظل الوحيد الذي بقيت مبيعات كتابه الفائز، مخيّبة لآمال السوق. كتبه نخبوية، ولا تحظى بالرواج، كما هو حال رواية «العشيق» لمارغريت دوراس (تجاوزت مبيعاتها المليون نسخة) أو «ثلاثة أيام في ضيافة أمي» (تجاوزت لحد الساعة 400 ألف نسخة).

قسّم الكاتب عمله إلى 55 فصلا، وكل فصل لا يتعدى بضع صفحات. نوع من كتابة مشذبَّة بشكل صارم. لا يعثر القارئ على كلمة واحدة زائدة. أجواء غريبة تنقلنا من الحاضر إلى الماضي، ومن الماضي إلى الحاضر، عارضة حِكَما وأفكاراً بسيطة ولكنها عميقة، ولكن القارئ عموما لا ينتبه إليها. وهنا مقاطع بقدر ما تبدو متباعدة تربطها صلات قربى:

«سنة 212 قبل الميلاد، تحت حكم الإمبراطور كين شي ـ هوانغ، كان يتمّ دفن المتعلمين الذين يُعثَر عليهم في الإمبراطورية. سنة 96 ميلادية، طَرَد الإمبراطور كلَّ الفلاسفة ومُدرِّسي الفلسفة من الإمبراطورية، طرد كلَّ من كان يلبس معطفا صغيرا. المعاطف الصغيرة والفكر توجهت إلى مسالك الإمبراطورية في بروتاني وفارس».

«جامسكيوس في بغداد يتعلم اللغة الفارسية».

«إن رفض الانتماء الاجتماعي مدانٌ في أعين كل المجموعات البشرية. وهذه الإدانة هي عمق كل أسطورة. مثله مثل شدة الوجد الذي يكسر التبادل المُشفَّر والتراتبية ما بين أعضاء مجموعة من أجل تأمين الإنتاج. كان هوميروس يقول: الكائن الفرد هو حرب أهلية (مدنية). هو يريد هنا أن يقول إن كل إنسان من دون مدينة هو بذرةٌ لحرب أهلية.

كتب هيرودوت أن كل كائن بشري معزول لا يمكن أن يكفي نفسه بنفسه. الكتاب المقدس يقول: ويلٌ لمن كان وحيدا. إنسان وحيدٌ هو إنسان ميتٌ».

«الأحياء ليسوا أطيافا. هم ربما أمواتٌ مُغلفون في ثياب ويلمعون».

«في يوم الاثنين من سنة 1989 غادرتُ مدينة بيرغايم. المجتمعات السرية للرجال الأحرار مدفوعة لأن تصبح صغيرة جدا أكثر فأكثر. إنها فردية تقريبا. أصدقائي أصبحوا عزيزين على قلبي أكثر فأكثر وأصبحوا قليلين شيئا فشيئا. ينقل لنا «أميان مارسلين» وصفا عن الإمبراطور حين كان يمنح (رعاياه) الحرية: كان يُنظَر إليها (أي الحرية) كما لو كانت طُعْما قاتلا. كان الشعب يقول: إنه يمنحنا الحريةَ كي يفقدنا. كان المواطنون المهمون يجمعون زبائنهم ويقولون: إن الحرية وسيلة عثر عليها القيصر كي يستعبدنا.(...) كانوا يرفضون الحرية».

هذه بعض أجواء النص الذي جلب جائزة «الغونكور» لكاتبنا. أمّا الآن، فقد قرّر ألا ينشر في الخريف إلا أبحاثا ومقالات. وفي الربيع (حيث تكون الجوائز قد انتهت) يقوم بنشر روايته التي لن تقرأها لجان التحكيم.

بعد ست سنوات، إذنْ، من الابتعاد عن الجنس الروائي (نشراً، وليس كتابة بالطبع)، ها هو يعود إلى كتابة الرواية. ليس معنى هذا أنه توقف عن الكتابة، بل إنه كان يركز على الكتابة الشذرية والمقطعية التي تتلاقي فيها أجناس كتابية مختلفة. «فيلا أماليا» Villa Amalia، الرواية الجديدة، تمتح من الموسيقى، وتجعل منها موضوعا من بين مواضيع عدة تشبهها. يظهر لنا الكاتب وفاءه لجماليات الكتابة المقطعية، بكل ما يحمل المقطع من حدة وكثافة.

«آن هيدين»، عازفة بيانو تتمتع بموهبة استثنائية، الشخصية المركزية في الرواية، تتعرض لخيانة زوجيّة بعد زواج دام 17 سنة، فتقرر التخلي عن كل شيء. تقطع علاقاتها مع المخرج وتبيع منزلها، باختصار تقرر تغيير حياتها، وتلتجئ إلى فيلا أماليا بالقرب من مدينة نابولي. رواية إنسانية في غاية الرهافة، تتحدث عن الفشل والهجران والجنس وعن الفراق والموت. تعيش البطلة حياتها، من خلال تشابك مع شخصيات أربع مهمة: الزوج الذي تقرر هجره والذي لا ينجح أبدا في فهمها ولا فهم الموسيقى التي تعزفها، ثم أمّها التي لا تزال متعلقة بذكرى زوجها الذي قضى منذ فترة طويلة وتنتظر عودته على كرسي متحرك، ثم صديقتها فيرو، التي لم تغادر قريتها أبداً وظلت متوحدة، وصديق طفولة، تصادفه آن منذ البدء، ويساعدها في بحثها عن ذاتها.