«ليلى خالد ـ خاطفة الطائرات»: هل كانت إرهابية أم مقاومة؟

المخرجة لينا مقبول تبحث عن جواب بقي معلقاً لعقود

TT

«اسمي لينا، نشأت في السويد من أبوين فلسطينيين. استقل الآن سيارة اجرة في طريقي الى ليلى خالد... في صباي كانت ليلى خالد مثلي الأعلى، جميلة وشجاعة وفلسطينية. ونحن الاثنتان تمنينا الشيء ذاته: أن تكون فلسطين حرة». بهذه الكلمات تبدأ الاعلامية السويدية المولد والفلسطينية الاصل، لينا مقبول، فيلمها الوثائقي «ليلى خالد ـ خاطفة الطائرات».

في فيلم «ليلى خالد ـ خاطفة طائرات»، تحاول صاحبته لينا مقبول أن تجد جواباً على سؤال ظل يؤرقها سنوات طوال: ما الذي دفع بفتاة صبية وجميلة، في الرابعة والعشرين من عمرها، لتقوم باختطاف طائرة ركاب ثم تجري ست عمليات جراحية، لاخفاء ملامحها، ولتختطف طائرة ثانية. هذا ما ارادت لينا معرفته من ليلى خالد، لتعرضه على الرأي العام الاوروبي تحديداً، ليحكم ان كان ما قامت به الناشطة الفلسطينية، قبل خمسة وثلاثين عاما، عملاً ارهابيا أم مقاومة مشروعة؟!

مقبول، مقتنعة تماما، حسب حديث معها، ان ليس من الانصاف تحميل ليلى خالد مسؤولية عمليات قام بها فلسطينيون خلال الاعوام الاخيرة، ووصفت بالإرهابية. فما فعلته ليلى خالد، منذ ثلاثة عقود ونصف، لم يصب اي شخص بأذى، لكن لينا ترى في ما تعرض له ركاب الطائرتين حينذاك، أمراً فظيعاً، وقد سعت لمعرفة آرائهم، وتحدثوا عن الذعر الذي اصابهم. لم يكن تسجيل فيلم مع أول خاطفة طائرات سهلا، لقد تطلب ذلك جهدا لاقناعها، ولولا خلفية لينا مقبول الفلسطينية لما كانت قد وافقت. وليلى التي تمارس نشاطها السياسي اليوم، من خلال عضويتها في المجلس الوطني الفلسطيني عن الجبهة الشعبية، تستذكر، في الفيلم، كيف كان الصحافيون الغربيون يمطرونها بأسئلة، عما اذا كانت انسانة عادية تحب ولها احاسيس، أم انها أمرأة شرسة، فحسب.

ذهبت لينا مقبول الى عمّان حيث تعيش ليلى خالد مع زوجها واولادها، ولديها تصور أنها ستسمع منها كلمة ندم، لكن الناشطة الفلسطينية قالت انها غير نادمة، وان كل جهة تنظر لذلك العمل من زاويتها الخاصة. فما يراه الطرف الآخر، عملا ارهابيا، ينظر له الفلسطينيون على انه مقاومة مشروعة، كما تقول ليلى خالد، التي اشارت الى انها اعتذرت للركاب يومها. فهي ورفاقها كان هدفهم فقط التعريف بالقضية الفلسطينية.

لينا لم تفاجأ بموقف ليلى من خطف الطائرتين، لكنها لم تتوقع رد الطيار الاميركي الذي كان يقود طائرة «تي دبليو اي» بين روما وتل أبيب، واختطفت العام 1969، فقد قال انه يتفهم الدوافع وراء اقدام ليلى خالد على هكذا عمل، رغم انه لا يتفق معها». لينا التقت، ايضا، الطيار الذي كان يقود طائرة العال الاسرائيلية التي قامت ليلى خالد باختطافها في مطار أمستردام، وبمضيفة سويدية كانت على متنها وبعض الركاب. الطيار الاسرائيلي لم يرد المشاركة في الفيلم، خصوصا وان المخرجة جذورها فلسطينية، لكنه استجاب في النهاية، كما حدثتنا لينا لاحقا، بعد عقد اتفاق معها بان تصحبه الى «اسرائيل» وتريه بيت اهلها هناك. ربما سيكون ذلك مشروع فيلم قادم، لهذه الاعلامية الواعدة.

«ليلى خالد ـ خاطفة الطائرات» عرض في مهرجانين عالميين للافلام الوثائقية في امستردام الهولندية ويتبوري السويدية، وبثه التلفزيون السويدي، ويظهر لنا تناقض الصورة بين الفلسطينيين، الذين تركوا دورهم وارضهم مجبرين عام 1948، والمستوطنين الذين سكنوا تلك الدور واستولوا على الارض. ففيما تظهر لنا عدسة لينا مقبول شجن ليلى خالد واشتياقها للعودة الى حيفا، التي هجرت منها وهي في الرابعة من عمرها، ودموعها وهي تتسلم من يد لينا قطعة بلاط، جلبتها لها من دارها الممنوعة من العودة اليها، نجد في لقطة اخرى الطيار الاسرائيلي وهو يقول للينا ان الفلسطينيين هم الذين تركوا ارضهم طوعاً، وأن الامر يتعلق بمعلومات مغلوطة حول تاريخ الصراع، لكنه يقر بأن ثمة مذبحة حدثت للفلسطينيين في دير ياسين، وهذه هي الحرب، كما يقول. لينا تعتبر ان ما قامت به ليلى خالد، في هاتين العمليتين كان في غاية الشجاعة من امرأة شابة وجميلة اذهلت في حينها الرأي العام العالمي وجعلت بعض الصحافيين الغربيين يسألونها، حينذاك ان كانت تعرف الحب ولها صديق! أم انها عديمة الاحاسيس؟

«ففيما كان الرجال يجلسون في المقاهي ويتحدثون عن الاضطهاد، قامت هي وعملت شيئا آخر»، كما تقول لينا في الفيلم وتواصل: «اليوم انا كبرت، والاشياء تعقدت أكثر. كل ما أعرفه هو ان ثمة اشخاصاً قاموا بخطف طائرات، وان ثمة اناسا ابرياء كانوا في طريق العودة الى بيوتهم. طيلة حياتي وانا أسمع الناس يتحدثون عن خطف طائرات وارهاب، كلما تم التطرق الى جذوري الفلسطينية. وليلى خالد هي التي اعطت هذا الانطباع. وما زلت متشوقة لمعرفة ما قامت به، وأنا انشد فلسطين حرة».

إذاً هي ارادت ان تسمع من ليلى خالد شخصياً، فيما اذا كانت بعملياتها قد اساءت، حقاً، كما يقال، لسمعة الشعب الفلسطيني؟! لكن سؤالها هذا لم تطرحة لينا عند لقائها بليلى وجها لوجه، بل جاء عير الهاتف، خجولا مترددا وهي تمسك سماعة الهاتف، من بيتها في السويد، بعد عودتها من لقائهما في عمان. المشاهد يستمع الى سؤال لينا الذي ينتهي به الفيلم، لكنه لا يسمع جواب ليلى. فالمخرجة ارادت ان توفر للمتلقي فسحة تخمين الجواب، الذي عرفناه فيما بعد، أثناء حديثنا مع لينا. ماذا كان جوابها؟.. بعد صمت طال شيئاً ما، أجابت ليلى خالد، بلهجة لا تخلو من انزعاج: «لا».