في مسرحية «حلم ليلة عيد» شباب مبتور الأطراف يحلم بالطيران

TT

لطالما كثر الحديث عن الهوة الفاصلة بين المسرح والجمهور، وابتعاد المواضيع المطروحة عن حياتنا اليومية، ببساطة شكلها وعمق تفاصيلها، إلا أن عرض «حلم ليلة عيد»، في دمشق، لكاتبه ومخرجه حكيم مرزوقي، استطاع تحقيق المعادلة والتأثير على المتلقي وإمتاعه دون إطالة، في أقل من ساعة، لم يتسرب لها أي شعور بالملل.

العرض قائم على شخصيتين من البيئة الفقيرة بل المعدمة. الأول يعمل «كندرجي» قطعت قدماه، والآخر «بويجي» مثقف مقطوع الذراع. هذا العجز ليس جسديا فقط، فهما شابان يحلمان بالحصول على فيزا والسفر إلى أوروبا، بتركيب أجنحة للطيران، وليس فقط قدمان وذراعان، طلباً لعيش حياة رغيدة مثيرة شبيهة بالأفلام. كل ذلك متوقف على تفاحة، وهي حبيبة الاثنين معاً، تعمل خادمة في بيت أحد السفراء، وانتقلت مع زوجته إلى أوروبا. لكن الأحلام والآمال تنهار عند اصطدام الرجلين بجارهما الحلاق الذي يرصد تحركات كل من في الحي، ويدونها بما أنه يعمل لدى المخابرات.

وعن طريق عامل الحلاق، يعرف العاشقان أن تفاحة في سجن «عدرا» وليست في أوروبا، سبق ذلك مصادرة الشرطة لصندوق «البويا»، وسيلة الإنتاج الوحيدة كما جاء على لسان الشخصية. وهي شخصية طريفة وعميقة لما تحمل من مفارقات باعتبارها مثقفة، لها انتماؤها السياسي (الذي يتم السخرية منه في العرض) في الوقت ذاته تحمل مصطلحات بيئتها وطبيعة عملها. كذلك صادرت الشرطة الكتب المباعة على الرصيف، وتطالب بإعادة ملكية دكان الكندرجي إلى ورثته الأصليين.

واقع اليم، يشل شبابنا عن الحركة والعيش أو حتى الحلم، ويكسر آمالهم المعلقة التي اقتصرت على السفر والخروج من ذلك المستنقع وتماسيحه، المتمثلة بالشرطة والمخابرات والفقر والقمع. حلم الشابين انكسر مع صلاة العيد، فكان هذا من أذكى الاستخدامات للكلمة ودلالاتها في العرض، فنراهما أول أيام العيد في المقبرة، يبيعان «الآس» ليوضع على الأموات الشبيهين بالأحياء من أمثالهما، ويقنعان نفسيهما بإيجابيات البقاء ومخاطر السفر.

عرضت كل هذه السوداوية في إطار ساخر مثير للضحك، بسيط، يعتمد الاستخدام الفطن للكلمة والسينوغرافيا. فالخشبة فارغة إلا من بعض الأحذية التي يعمل عليها الإسكافي أو الكندرجي، وطاولة عليها حقيبة السفر المعلقة في الهواء كما أحلامهما، إضافة إلى بعض الاكسسوارات.

ومن خلال هذه الأغراض القليلة، قام المخرج بالعديد من الاسقاطات والمقارنة بين الأفكار والأحذية، المهترئ منها والجديد. معشوقة الشابين، تفاحة، أو الوسيط إلى الحرية، حاضرة دوما من خلال حذائها الأحمر وايحاءاته الجنسية، مقابل الكبت الذي يعاني منه الشابان والتعويض عن طريق الخيال، كما في مجمل تفاصيل حياتهما.

في الوقت الذي يزداد فيه التصعيد للحظة درامية معينة، يتم كسرها مباشرة بسخرية وضحكة كما في الحياة تماماً. ساعد على ذلك، الأداء المميز للممثلين نوار بلبل، ورامز الأسود، وقدرتهما على التنويع بين الحزن والضحك، الألم والسخرية، وإظهار أكثر الشخصيات بساطة وتعقيدا في آن واحد.

«حلم ليلة عيد»، عمل حقيقي، لم يقرب المسافة بينه وبين الجمهور، بل التصق فيه وخرج منه بكل عجزه وعوالمه القبيحة والجميلة.