بيت الحاج أمين الحسيني محجة للغربيين.. وجيرانه يستغربون

TT

يحمل أحد شوارع القدس القديمة، داخل الأسوار، التي تغنت بها يوما المطربة اللبنانية فيروز، اسم «طريق المفتي» ويسميه المواطنون «عقبة المفتي». ولا يعرف كثيرون من قاطني الشارع أن الاسم يعود للحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين، وزعيم الحركة الوطنية الفلسطينية، خلال فترة حرجة من مسيرة الشعب الفلسطيني انتهت بنكبة عام 1948.

وفي عطفة صغيرة ملتوية من هذا الشارع المفعم بالتاريخ، طريق صغيرة يطلق عليها «طريق البيارق» تؤدي إلى منزل الحاج أمين، الذي شهد تكريسا لزعامته. ففي هذا المنزل كانت تتجمع وفود المدن الفلسطينية حاملة بيارقها، في شهر أبريل(نيسان) من كل عام، معطية ولاءها للحاج أمين، قبل أن تتحرك وهو على رأسها إلى مقام النبي موسى على طريق القدس ـ أريحا وهي تهتف:«سيف الدين الحاج أمين على سورية وفلسطين».

وكانت تيجان البيارق، تحمل اسم المكان أو العائلة التي يحمل أفرادها البيارق، ويتقدمون الجموع. وبعد التجمع في منزل الحاج أمين، يتجه الجميع إلى ساحات المسجد الأقصى، ومن ثم في مواكب ضخمة إلى مقام النبي موسى، حيث يتوافق تاريخ هذا التحرك مع الاحتفال بعيد الفصح لدى الطوائف المسيحية الشرقية.

وخلال هذه المواسم، برز الحاج أمين الحسيني، كزعيم للحركة الوطنية الفلسطينية، ثم كزعيم مطلق لها. وحاولت قوى أخرى استغلال هذا الموسم، لبث أفكارها، ومن بينها الحزب الشيوعي الفلسطيني، كما ذكر ذلك نجاتي صدقي، أحد زعماء الحزب في ثلاثينيات القرن الماضي، في مذكراته، إلا أن كل ذلك لم يزعزع مكانة الحاج أمين، الذي كانت وفود شعبية، ودينية، وصوفية، وعائلية، تتجمع لديه في منزله في عقبة المفتي.

وسيطر الحاج أمين، على الجماهير الفلسطينية، فقد كان معبودها، والمتنفذ في اللجنة العربية العليا، وهي الإطار الرسمي الذي قاد الحركة الوطنية الفلسطينية. وعندما ضيقت عليه سلطات الاحتلال البريطاني، وحاصرته التجأ إلى الحرم القدسي الشريف، ليس بعيدا عن منزله هذا، واستطاع الخروج عبر أسطح المنازل، والنزول عبر السور الجنوبي، حيث كانت تنتظره سيارة، انطلقت به من القدس إلى يافا، ومن هناك تسلل إلى لبنان بتاريخ 13 أكتوبر(تشرين الثاني) 1937، في فترة الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، وتنقل بين عدة دول خصوصا تلك التي شكلت دول المحور في الحرب العالمية الثانية، معتبرا أنها حليفته في مواجهة بريطانيا إحدى دول الحلفاء في تلك الحرب. لكن دول المحور هزمت هزيمة ساحقة، وبقيت لعنة هذا التحالف تلاحق الحاج أمين حتى الآن، حين يوصف بأنه كان صديقا لهتلر.

ولم يغير الحسيني من تحالفاته حتى وهو يرى دول المحور تهزم، وبريطانيا تطالب فرنسا التي لجأ إليها بمحاكمته، وبقي يقود مجموعات الثوار التي كان عليها أن تجابه العصابات الصهيونية المدربة من محلة «ذوق مكايل» في لبنان، كما فعل طوال سنوات، أملى خلالها الأوامر على قادة الثوار ومنح المال أو امسكه، حسب رؤيته الشخصية للمصلحة الفلسطينية العليا، وكذلك فعل بعشرات من أوامر التصفيات الجسدية للخصوم التي أصدرها. ولا يدل وضع منزل المفتي الآن، على المكانة التاريخية له. وقالت إحدى النسوة التي تسكن بجوار المنزل «نعرف أن جيراننا من عائلة الحسيني، لكننا لا نعرف من هو المفتي الذي تسألون عنه». وتسكن المنزل المتعدد الغرف والطبقات، والذي ربما يعود في عمارته للعصر الأيوبي أو المملوكي، أو فترة لاحقة، أسر من عائلة الحسيني.

وقالت امرأة شابة تسكن في المكان «نعرف أن حملة البيارق كانوا ينطلقون من هذا المنزل، ولكنه زمن وانقضى». وأضافت المرأة: «يزور المنزل باحثون معظمهم من الغربيين، ويسألون ويستفسرون، لكن لا نجد أي اهتمام مماثل من صحافيين أو باحثين عرب».

وتشير المرأة إلى انه رغم أن المفتي الحاج أمين يعتبر عدوا للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن بلدية القدس الإسرائيلية أبقت على تسمية الشارع بطريق المفتي، والعطفة المجاورة بطريق البيارق.

ويذكر، أن الحاج أمين، الذي شارك أيضا في ثورات خارج فلسطين، مثل ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، كانت سيرته مثيرة للجدل، وموضوعا للبحث، والتقصي الذي لم ينته حتى الآن، من قبل باحثين إسرائيليين وروس وبريطانيين وغيرهم، في حين انه لم يقترب من شخصيته بشكل جدي باحث فلسطيني أو عربي، ليقدم رؤية موضوعية، بعيدا عن التقديس الذي حظي به الحسيني في حياته، خاصة، وانه شخص كان في واجهة الأحداث العاصفة التي ما زالت تؤثر على المنطقة والعالم.