الكتاب المسرحيون السوريون موجودون.. وديفيد غريغ أخرجهم من مخابئهم

TT

استغرب الكاتب المسرحي الاسكتلندي ديفيد غريغ، غياب الكتّاب المسرحيين الشبان في سورية، واعتقد عدم وجودهم، عندما بدأ يشرف على 22 طالباً وخريجاً من قسم الدراسات المسرحية في «المعهد العالي للفنون المسرحية»، ضمن مشروع الكتابة المسرحية الجديدة الذي عمل عليه «المجلس الثقافي البريطاني» في دمشق، بالتعاون مع المعهد المسرحي ومسرح «رويال كورت» في لندن.

إلا أن غريغ استطاع خلال ورشة العمل الأولى «سبر الروح»، من اكتشاف طاقات لم تكن متوقعة عند هؤلاء الشباب، بعد تعريفهم بأساليب التفكير والكتابة، مما أفرز 12 نصاً مسرحيا، تم العمل عليها وتطويرها، من خلال ورشتي عمل لاحقتين، وتحويل النصوص من مجرد فكرة أولية إلى قراءات مسرحية أمام الجمهور. أكدت هذه التجربة، وجود أعمال مثيرة للاهتمام، ووجود شبان متهيئين للعمل بشكل محترف من وجهة نظر غريغ، بعد أن لفته نص «بيت الختيارة» لعمار ملص، «لعنة» لشادن أسعد، «ضجيج ملون» لعبد الله الكفري، و«خريف الحكاية» لوائل قدور...وآخرين، إلا أن هؤلاء الكتاب اليانعين، بحاجة إلى الدافع للنمو والظهور، من خلال مشاريع توظف ملكاتهم. لكن ما دام الشباب السوري يمتلك الموهبة والطاقة والقدرة على الكتابة، ما الذي ينقصه إذا؟ هل هي المناهج الأكاديمية، أم التوجيه العملي، أم الحرية وفرصة التعبير؟

يرى غريغ أن هؤلاء الكتاب اليانعين، بحاجة إلى التعبير عن أنفسهم بشكل حر، ويؤكد ضرورة وجود مسرح عنده الجرأة لتبني أعمالهم، ودور نشر تمنحهم الفرصة، وجمهور يسمعهم ويراهم.

اتسمت أغلب النصوص بالبساطة والمعاصرة، والالتفات إلى التفاصيل الحياتية الصغيرة، مما أكسبها خصوصية سورية، شبيهة بالمدينة القديمة، كما وصفها غريغ، قائلا: «تلك البيوت الجافة من الخارج أدهشتني بجمالها الداخلي وكثرة تفاصيلها، كذلك المسرحيات، أعطتني فرصة لاستراق النظر من الباب إلى هذا المجتمع العميق والغني بالتفاصيل التي لم أتصورها من قبل. وطرحت العديد من التساؤلات، حول ما يعانيه الشباب من قمع وإشكاليات سياسية ودينية واجتماعية».

كانت النصوص سوداوية وتشاؤمية، تعكس وضع شبابنا ضمن مجتمع أفقده أي أمل، لدرجة أن ديفيد غريغ أراد تسمية ورشة العمل «دعوني أخرج» بدلا من «سبر الروح»، لكنه يرى أن المسرحيات ليست ظلاما تاما، بسبب وجود الطاقة، واستشهد بأغنية مشهورة، خرجت إلى النور عام 1970 تقول «الغضب هو الطاقة»، وهذا أفضل من فقدان الأمل.

تلك التجربة أدخلت الأمل إلى قلوب الكتاب، وأظهرت نتاج عملهم إلى الجمهور من خلال قراءة مقتطفات منتقاة، اثناء عرض غير مكلف، يعتمد بعض الاكسسوارات والأداء البسيط لممثلين شباب، بالتعاون مع المخرجة المسرحية ساشا ويرز التي مثلت مسرح الرويال في هذا المشروع.

استطاع الشباب إيصال أصواتهم، اثناء العرض الذي أقيم على مسرح سعد الله ونوس في «المعهد العالي للفنون المسرحية» تحت عنوان «أصوات واعدة» سمحت للجمهور بالاطلاع على مواهب لم يعتقد وجودها من قبل، بل غالبا ما يتم الحديث عن أزمة النصوص المسرحية وتأثيرها على تراجع المسرح السوري، ونأمل أن يلفت هذا المشروع الذي أبرز طاقات مخبوءة، نظر المعنيين في المسارح ودور النشر، كي لا تبقى تجربة غريغ، وحيدة دون استمرارية، بل بوابة أمل لشبان موهوبين بحاجة إلى فرصة، فقط للتحرر والانطلاق.