حقيقة «فزاعة» الوجود العربي في الدولة العبرية

إحصائيات وجداول صادمة عن العرب في إسرائيل

TT

اعتاد القارئ أن يقرأ دراسات وأبحاثا عن المجتمع العربي في اسرائيل كتبها مستشرقون يهود، ولكن منذ الثمانينات من القرن الماضي بدأت تظهر دراسات جديدة لباحثين عرب أمثال د. سامي مرعي والبروفسور ماجد الحاج والبروفسور عليان القريناوي وبروفيسور محمد حاج يحيى و د. عزيز حيدر و د. رمزي سليمان و د. اسعد غانم و د. خالد ابو عصبة وآخرين. وتناولت هذه الدراسات جوانب الحياة المختلفة للمجتمع العربي في اسرائيل مثل التعليم والعمل والصناعة والزراعة والسكان والمرأة والهوية وغير ذلك.

في مطلع هذا العام، صدر في اللغة العبرية عن «مركز دراسات المجتمع العربي في اسرائيل ـ معهد فان لير» في القدس الغربية، كتاب جديد مهم اسمه «كتاب المجتمع العربي في اسرائيل» حرره د. عزيز حيدر، المحاضر في جامعة القدس العربية والباحث في معهد «ترومان» في الجامعة العبرية، ومعهد فان لير. ويقع الكتاب في 236 صفحة من القطع المتوسط، منها مائة صفحة من الجداول والاحصائيات. وقسم الكتاب الى قسمين:

القسم الأول: قسم الاحصائيات وفيه اربعة فصول هي: الديموغرافيا (السكان)، والعمل، ومستوى الحياة ، والتعليم والثقافة العالية .

القسم الثاني: قسم المقالات وفيه اربعة ابحاث هي: «تحولات ديموغرافية عند المواطنين العرب في اسرائيل منذ الخمسينيات» للباحث احمد حليحل، و«الاقتصاد العربي في اسرائيل» للباحث د. عزيز حيدر، و«جهاز التعليم العربي في اسرائيل – التطورات والوضع الحالي» للباحث د. خالد ابو عصبة، و«عدم المساواة في العمل بين المثقفين العرب وبين المثقفين اليهود في اسرائيل» للباحث رمسيس غرة.

لن يشعر قارئ هذا الكتاب بمتعة القراءة بقدر ما يشعر بالصدمة والدهشة من الأرقام المذهلة التي احتلت مائة صفحة من الجداول فيها معطيات ومعلومات جافة عن المواطنين العرب في اسرائيل تساعد الدارسين والباحثين وربما متخذي القرار السياسي في البلاد وتلقي اضواء على حياة هذه الأقلية التي تعاني من الاضطهاد والتمييز في شتى الميادين منذ عام 1948 حتى اليوم. في الفصل الخاص بالسكان نقرأ أن عدد السكان العرب في اسرائيل بلغ مليون نسمة في العام 2002 أي ما يساوي 15 % من السكان ويبلغ هذا العدد اليوم مليونا ومائة الف نسمة، وليس مليونا وثلاثمائة وخمسين الف نسمة كما تزعم الحكومة، لأن الرقم الحكومي يشمل سكان القدس الشرقية المحتلة وسكان هضبة الجولان المحتلة أيضا، وهو يستعمل لأغراض سياسية كما يستعمله دعاة الترانسفير وعبيد الديموغرافيا للتهويل من عدد العرب الكبير في البلاد، إذ يزعمون ان النسبة تصل الى 20 % أي خمس السكان، مما يشكل خطرا على يهودية الدولة ويطالبون بالتنازل عن مناطق في المثلث مثل مدن أم الفحم وباقة الغربية والطيبة للتخلص من سكانها العرب وضمها للسلطة الفلسطينية مقابل اراض بالقرب من القدس او أماكن أخرى.

وينقسم السكان العرب الى 80 % مسلمين و10 % مسيحيين % دروز . وهذه الاقلية شابة جدا و 50.2 % منها اعمارهم بين صفر – 19 سنة بينما تبلغ النسبة عند المواطنين اليهود من الجيل نفسه 34.1 % .

ويتوزع السكان العرب في اربعة مناطق هي: 5. 56 % في الجليل و 23% في المثلث و 12 % في النقب و8.5 % في المدن المختلطة وهي عكا وحيفا ويافا واللد والرملة. ويسكن 87 % من المواطنين العرب في 107 مدن وقرى عربية، ولم تبن اية قرية جديدة او اية مدينة جديدة منذ عام 1948 حتى اليوم بينما يسكن 5 % في قرى غير معترف بها ومهددة بالهدم.

ويبدو من الجداول ان ظاهرة زواج الصغار سنا من الجنسين بدأت بالزوال، فأبناء وبنات جيل 15 ـ 19 سنة 99.7 % منهم عازبون و91.7 % عازبات، وأبناء وبنات جيل 20 ـ 24 سنة هناك 83.4 % عازبون و43.7 % عازبات.

وما يلفت النظر وجود 17.4 % من النساء العربيات العازبات من بنات جيل 30 ـ 34 سنة ووجود 13% من العازبات بنات جيل 35 ـ 44 سنه بينما في الوسط اليهودي تبلغ هذه النسبة 7% فقط.

ويظهر البحث ان المواطنين العرب ضاعفوا أنفسهم 6.5 مرة في خلال خمسين سنة أي من 156 ألف نسمة عام 1948 الى مليون نسمة عام 2002 وهذه الزيادة جاءت من الولادة الطبيعية التي بلغ معدلها 9.5 ولادة للمرأة في الستينات وانخفض الى 4.5 ولادة للمرأة منذ الثمانينات حتى اليوم وحدث هذا الأمر نتيجة زيادة التعليم ومشاركة المرأة في العمل وارتفاع مستوى الحياة. ويختلف معدل الولادة للمرأة بين منطقة وأخرى، ففي الجليل أربع ولادات، أما في النقب فأكثر من تسع ولادات. ويظهر ان نسبة المسيحيين قد تغيرت فبينما كانت 20.3 % في عام 1961 صارت 11.7 % في عام 1995 ثم 10% في السنة الأخيرة وهذا نابع من نسبة الولادة القليلة.

وفي ميدان العمل تبدو حقائق مدهشة حيث تجد أن 57 % من العاملين العرب يعملون خارج أماكن سكنهم وان نسبة العمال الزراعيين انخفضت من 49 % في عام 1961 الى 3.5 % في عام 2001 بسبب مصادرة الأراضي العربية، وتجد ان نسبة القوى العاملة بين العرب هي 39 % بينما عند اليهود 57 %، ونرى أن نسبة العاملات هي 14 % عند المسلمات و36 % عند المسيحيات، ويظهر البحث ان عدد العمال العرب قليل جداً في شركات الكهرباء والمياه والبنوك والتأمين والوزارات المختلفة ما عدا وزارة التربية والتعليم.

ولو نظرنا الى القوى العاملة من حيث التعليم لوجدنا ان 73.8 % تعلموا 12 سنة دراسية ولم يتعلموا اية مهنة، و13.5 % تعلموا 16 سنة (25 % عند اليهود) و 12.3 % يحملون شهادة جامعية (28.7 % عند اليهود). كما نجد ان 41 % من الأكاديميين العرب يشتغلون بالتعليم في حين يشتغل 27 % من الأكاديميين اليهود في التعليم.

وأما البطالة فهي مستشرية في المدن والقرى العربية حيث تبلغ 10%، أما بين عرب النقب فتبلغ 20.7 %. وتقل البطالة في منطقة المثلث وتصل الى 5% لقربه من مركز البلاد حيث فرص العمل متوفرة أكثر من مناطق اخرى.

ومن المعروف ان المواطنين العرب كانوا فلاحين قبل خمسين سنة، وكانوا عمالا قبل عشرين سنة. وأما اليوم فقد تغيرت الأوضاع وصرنا نرى المقاولين وأصحاب الشاحنات وأصحاب المطاعم والحوانيت والآلات وأصحاب المهن الحرة. وقد نجحت اسرائيل في طرد العرب من الإنتاج والتسويق الزراعي الى ميادين اقتصادية أخرى لتستغل قوة عملهم الرخيصة.

ونتيجة لمصادرة الأراضي العربية يملك العرب اليوم 4% من الأراضي فقط، في حين يشكلون 15% من السكان، وأما الأراضي التي تقع تحت نفوذ سلطات محلية عربية فهي 2.5 % فقط.

وكان العرب يفلحون 738389 دونما سنة 1949 وهبط العدد الى 313427 دونما في عام 1996.

هذه السياسة الاسرائيلية المبرمجة رفعت نسبة الفقر بين العائلات العربية فوصلت الى 45.3 % (14.4 % عند اليهود)، كما ان نسبة الفقر بين الاطفال العرب تصل الى 66%. ولو نظرنا الى تقسيم العائلات العربية حسب سلم الدخل من 1 ـ 10 لوجدنا ان 62.2 % من العائلات العربية في المرتبات الثلاث الأخيرة.

وفي مجال التعليم نجد ان نسبة الطلاب العرب في المدارس الابتدائية والإعدادية 20.2 % (النسبة العامة للسكان 15 %) ومنهم 53.7 % من البنات، وان نسبة الطلاب العرب في الجامعات 7.8 % ومنهم 54% من البنات. وتبلغ نسبتهم من مجموع الطلاب 9 % لنيل الشهادة الجامعية الأولى و4.1 % لنيل الشهادة الجامعية الثانية و3.3 % لنيل الشهادة الجامعية الثالثة.

وفي عام 2002 حصل 1500 طالب عربي على شهادة جامعية ونسبتهم هي 5.8 % من مجموع الطلاب الذين نالوا شهادات جامعية في البلاد في تلك السنة.

إن هذا الكتاب المهم في أبحاثه الأربعة يبرهن بشكل واضح على التمييز القومي المنهجي الذي تمارسه حكومات إسرائيل منذ النكبة وحتى اليوم ضد المواطنين العرب في شتى الميادين، وقد اعترفت محكمة العدل العليا في القدس بهذا التمييز في يوم الاثنين 27 فبراير (شباط) 2006. ولكن في الوقت نفسه يشير الكتاب الى نقاط ضوء مهمة، مثل زيادة عدد الأكاديميين والمتعلمين، والارتفاع الملحوظ في مكانة المرأة في المجتمع وفي التعليم، كما يشير الى عملية تنظيم الأسرة العربية في الجليل والمثلث، فيما بقي الحال كما كان عليه في النقب.