المغرب العربي يستهلك الكتب الفكرية والفلسفية وتفضل دول الخليج الروايات والشعر لبنان: الكتاب يعاني من حالة «فالج»

اليوم العالمي للكتاب.. عربيا

TT

تحتفل الأوساط الثقافية في مختلف أرجاء العالم في الثالث والعشرين من ابريل (نيسان) باليوم العالمي للكتاب، الذي أقرته اليونسكو في الخامس عشر من نوفمبر( تشرين الثاني) عام 1995 , وهو يوم لحقوق الملكية الفكرية، والقراءة أيضاً. وإذا أصبح هذا اليوم تقليداً عالمياً ، فإنه مايزال يطل علينا خجولاً وسط تدني مستويات القراءة عربياً، وسطوة الرقابة، وإهدار حقوق الملكية الفكرية على نطاق واسع، والعراقيل الموضوع أمام حرية حركة الكتاب.

هنا تحقيق عن أحوال الكتاب في لبنان، تعقبه تحقيقات أخرى من السعودية، والمغرب، ومصر، للتعرف على أبعاد هذه القضية الخطيرة في كل بلد.

بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمطالعة في 23 الجاري الذي يصادف تاريخ موت سرفانتس وشكسبير في عام 1616، تقيم وزارة الثقافة اللبنانية العديد من النشاطات، تمتد طوال أسبوع من 25 الجاري الى 3 مايو (ايار) المقبل، محاولة منها ـ وإن خجولة ـ لتشجيع المطالعة، الغائبة عن الأطفال وصفوف التلامذة والطلاب في المدارس والجامعات. ولكن في هذه المناسبة التي تقام على شرفها معارض الكتب المتفرقة في لبنان، لا يمكن حجب الأنظار عن وجوه أصحاب دور النشر المتجهمة أو المرور بين الأجنحة من دون سماع تنهيدة منهم أو تأفف لما آلت اليه حال الكتاب الذي يعاني «فالجا» منذ سنوات، بحسب قول أحدهم. والمفارقة ان هذا الوضع يترافق مع تقدم وزارة الثقافة مطلع هذا الشهر بطلب ترشيح بيروت عاصمة ثقافية لسنة 2008.

وفيما تستعد الروابط والأندية الثقافية وبعض البلديات للاحتفاء بهذه المناسبة، ينعى أصحاب دور النشر الكتاب ويُجمع مَن سألناهم على وقوعه في أزمة كساد، يساهم في تفاقمها تضاؤل أعداد القراء في لبنان الى حد الانعدام. أما المنفذ الآخر، أي الأسواق العربية، فتعاني أزمة الحواجز والرقابة انما بشكل متفاوت، وهو مما لم يعد مقبولا «لأن إمكان الولوج الى شبكة الانترنت أصبح متاحا أمام الجميع تقريبا».

جروس: كتب الطبخ مسموحة والسياسة ممنوعة

يقول مدير دار جروس برس للنشر، ناصر جروس، الذي يرى أن المشكلة محتدمة في لبنان بسبب «غياب الوعي لأهمية المطالعة وعدم الاكتراث بوضع برامج تشجع الأطفال على القراءة. حتى اننا لا نسعى الى تحويل مكتباتنا المدرسية مكانا يجذب الأطفال، فسوء تنظيمها وخلوِّها من الألوان الزاهية لا يشجعان التلميذ على وطء عتبتها». وشدد جروس على ان تجارة النشر لم تعد مربحة «لأن الناشر والمؤلف يتذمران فالأول لا يستطيع تغطية تكاليفه بطبعة واحدة لأنها غالبا ما لا تتعدى 2000 نسخة، وإذا لاقى الكتاب رواجا يزوَّر. وبدوره المؤلف يتهم الناشر بالاستيلاء على حقوقه».

ودار جروس أصدرت منذ مطلع السنة 15 عنوانا «وهذا قليل مقارنة بالسنوات الفائتة، ففي عامي 2001 و2003 أصدرنا مائة عنوان، أما في الـ2005 فلم نتخط 30 عنوانا بسبب الأوضاع الأمنية التي طرأت على البلاد».

ويقول جروس إنه يلجأ كل سنة إلى اصدار كتب استهلاكية توفر له ربحا، «فكتب الطبخ مسموحة والسياسة ممنوعة خصوصا في العالم العربي». كما اعتاد إصدار كتاب ابراج، هو نفسه منذ 15 عاما لأنه يقدم شرحا عاما عن ميزات كل برج من دون الدخول في التفاصيل. ولتوفير الربح يشارك في 16 معرضا عربيا، حيث تخصص وزارات الثقافة اعتمادات للمكتبات العامة تخولها شراء كتب شرط أن تكون مسموحة.

* بركات: النشر ليس تجارة

* ويفضل المسؤول في دار الفارابي، قاسم بركات، عدم وضع النشر في خانة التجارة «أولا لأن رسالتنا ثقافية، وثانيا لأنها ليست تجارة مربحة، على الأقل بالنسبة لنا، لأن أعباءنا المادية كبيرة جدا». وإلى جانب ضآلة أعداد القراء، يرد سبب تردي أوضاع النشر الى «ندرة الابداع وتدني مستواه الى حد يمكننا تشبيه مستواه بالمستوى الفني الذي نشهده حاليا». أما في ما يختص بالنفاذ الى السوق فيقول: «لا نعتمد على السوق المحلي حيث تستلزم الطبعة الواحدة أكثر من ثلاث سنوات أحيانا لتصرّف، لذلك نستند الى الأسواق العربية ففي السنوات الثلاث الأخيرة تركز عملنا على المغرب العربي الذي يستهلك الكتب الفكرية والفلسفية، أما دول الخليج فتفضل الروايات والكتب الشعرية».

ويرى أن المدارس تتحمل جزءا من المسؤولية «لأنها لا توجه التلاميذ نحو القراءة والأبحاث التي تتطلب مراجع مهمة لا مجرد بحث سريع عبر الانترنت». ولكنه يرى أن الكتاب سيخرج حتما من هذه الأزمة. فرغم الوضع المتقهقر للكتاب، أصدرت «دار الفارابي» هذه السنة 25 عنوانا، وفي عام 2005 نحو 70 عنوانا. قد يرى البعض في هذا الرقم مؤشرا للمبالغة في التذمر من هذا الوضع، ولكن يوضح بركات ان الدار «تتعاون مع دور نشر في بعض الدول منها تونس والجزائر ومصر أو مع مؤسسات أهلية في فرنسا مثلا تساعدنا في ترجمة بعض الكتب مقابل أن نعرب كتبا أجنبية. ومن خلال هذا التعاون الثقافي نتقاسم الاعباء والتكاليف».

ولمدير «دار مختارات»، جورج فغالي، موقف لافت، لأنه تحفظ على المطالبة بدعم حكومي لهذا القطاع «هناك قطاعات أخرى تستدعي دعما أكثر منا». ويؤكد ان هذا القطاع مربح رغم كل العقبات، علما أن إصداراته اقتصرت على 25 عنوانا، تتضمن كتبا شعرية لناشئين وهواة، أي كتبا لا تلاقي إقبالا كثيفا في الوسط اللبناني. وهو قد حظي، في أي حال، بفرصة نشر كتاب «المكتب الثاني» للمحلل السياسي الكاتب نقولا ناصيف، وهذا كتاب يخالف الى حد ما ما تنشره الدار عادة. ويقول فغالي: «أتمنى أن احظى كل سنة بكتاب واحد من هذا النوع السياسي الفضائحي لأنه يستقطب اللبنانيين، فقد بعت خلال 3 أشهر نحو 4 آلاف نسخة، وحاليا أطبع 2000 نسخة إضافية. ومن دون هذا النوع من الكتب لا أستطيع ان أستمر». ولكنه أكد عدم الاتجاه نحو إصدار كتب استهلاكية، ككتب الطبخ والابراج «لست مثاليا او مازوشيا، وأريد الربح انما من خلال الاسلوب الذي اعتمدته، لذلك أعمل حاليا على تأسيس تجارة اخرى لئلا أخضع لشروط السوق».

ويرى فغالي ان «الناس مشغولون عن القراءة بمتابعة التطورات السياسية ووضعهم النفسي المتوتر يتطلب برامج ترفيهية، لذلك يلجأون الى الاشياء السهلة، ومثال على ذلك خروج اللبنانيين الى الشوارع للاحتفال بفوز اللبناني (جوزيف عطية) في برنامج ستار أكاديمي».

وأشار إلى مشكلة غياب شركات التوزيع المتخصصة بالكتب وعدم تعاون دور النشر لتأسيس هذا النوع من الشركات، لتسهيل تسويق الكتاب. وشكا من تراجع الأسواق العربية، خصوصا العراق الذي «كان سوقا ضخما يستورد كتبا بملايين الدولارات».

وكرر المسؤول في دار رياض الريس، عماد العبد الله، المشكلات نفسها التي ذكرها أصحاب دور النشر الأخرى. ولكنه أشار الى ازدياد التكاليف في إصدار الكتب لأن سعر الورق قد ارتفع عالميا. وشكا من غياب أي دعم حكومي للمؤسسات الثقافية. وقال ان الدار اعتمدت «أسلوب المغامرة» حين أصدرت في عام 2005، 50 عنوانا «ولكننا خفضنا أعداد الطبعة الواحدة من 5000 نسخة الى 1000، وهذا أمر معيب».

كيف تستمر هذه الدار؟ يجيب: «نعتمد على كتب محمود درويش التي تحقق أرقام مبيع عالية، بالاضافة الى كتب الميثولوجيا والسياسة والجنس، ولكن كتب الشعر في شكل عام والقصص والروايات تستلزم أكثر من 5 سنوات لتنفد من السوق». ويخلص الى «ان وضع دارنا أفضل من سوانا، رغم اننا لا نحقق أرباحا كبيرة».

* نشاطات اليوم العالمي للكتاب في لبنان

* تشمل نشاطات اليوم العالمي للكتاب في لبنان، والممتدة اسبوعا، مختلف المناطق اللبنانية من الجنوب حتى الشمال، وتحديدا في مدينة طرابلس حيث ينظم نادي «روتاري» بالتعاون مع وزارة الثقافة والبلدية والرابطة الثقافية في المدينة، «معرض الكتاب» في «معرض رشيد كرامي الدولي» الذي يبدأ في 26 الجاري حتى 6 مايو (ايار) المقبل. ويتضمن برنامج المعرض مسابقات يتبارى فيها الأطفال على إلقاء نصوص بالعربية والفرنسية والانكليزية، يختارونها بأنفسهم والفائز ينال جائزة مالية وشهادة تقدير. وسينظم «الملتقى الالماني العربي» نشاطات متعددة تشمل عرض صور وقراءات لأطفال تتراوح أعمارهم بين 4 سنوات و8. وتتخلل المعرض أمسية شعرية للدكتور سعيد الولي بالفرنسية وأخرى للشاعرين خريستو نجم ونجاة صليبي طويل وعرض لمسرح الدمى. وقد أجرى النادي قبل اسابيع دراسة ميدانية، شملت 2000 تلميذ في المرحلة الثانوية، لاستطلاع آرائهم وميولهم في ما يتعلق بالقراءة وأنواع الكتب التي يحبونها وذلك من خلال ملء استمارات. وستناقش الدراسة في ندوة على هامش المعرض.