من حرب الخليج إلى 11 سبتمبر.. استعارات قاتلة

جورج لايكوف يحلل خطابات السياسيين البلاغية

TT

إذا كان المحللون السياسيون قد أفاضوا في تحليل بواعث ودواعي حرب الخليج، فإنه قل أن تم إيلاء الاهتمام لخطابات البلاغيين، ونوعية الاهتمام بخصوص قراءة ظاهرة الحرب، وربطها بالجانب الاستعاري.

في هذا السياق، تأتي ترجمة كتاب «جورج لايكوف» أستاذ اللسانيات بجامعة بيركلي: «حرب الخليج أو الاستعارات التي تقتل». وسبق للقارئ العربي وتعرف على لايكوف في كتابه المشترك مع جونسون حول «الاستعارات التي بها نحيا» والذي صدر في 1980، لتتحقق ترجمته إلى اللغة العربية في 1996.

وتتشكل بنية كتاب «حرب الخليج أو الاستعارات التي تقتل» من ثلاث مقالات وسمت وفق التالي: «الاستعارة والحرب» و«استعارة الرعب» و«الاستعارة والحرب من جديد».

وبذلك فالناظم الأساس لبنية الكتاب مفهوم الاستعارة، إذا ما لمحنا لكون مقاربة المفهوم بلاغيا، لا تتحقق في هذا الكتاب من المنظور النظري الفوقي أو الأعلى، وإنما بإحلال المفهوم أرضية الواقع المباشر، في محاولة للوقوف على البنيات المؤسسة لتداوله، إلى المعاني المعبر عنها.. فلم تعد الاستعارة خاصة يحيا بها الإنسان ويتفاعل معها، وإنما غدت وسيلة تسهم في الحرب والقتل.

على أن ما يمكن ملاحظته عن البنية المشكلة للكتاب، مبدأ التلاقي والتقاطع بين المقالة الأولى والثالثة. فإذا كان بوش الأب يحضر في الأولى بخصوص مقاومة الغزو العراقي للكويت مطلع التسعينات معتبرا صدام بمثابة الشرير، فإن بوش الابن يبرز في الثالثة، في محاولة لاستكمال السابق، وبالتالي إرساء قواعد الحرية والديمقراطية، ومن تم فالهدف الثابت واحد.

على أن المعجم المعتمد في المقالة الأولى، يتمحور استعاريا حول الثلاثي: الشرير، الضحية والبطل. فالشرير هو صدام حسين، والضحية هي الكويت، وأما البطل فهو أميركا. من هنا يعتمد تصور «كلاوز فيتز» عن الحرب : «الحرب تقام بوسائل أخرى».

وأما في المقالة الثالثة، فالقاعدة الاستعارية تنشأ من خاصة التماثل، حيث تقارن القاعدة بما تأتي عليه من سلوكات إرهابية بما يقدم عليه صدام، حيث الضرورة تفرض وتحتم الدفاع عن النفس. «وإذا كان بوش الأب قد استعار من الحكاية الخرافية مفاهيم البطل والضحية والشرير وغيرها، فإن بوش الابن استعار مفاهيم ملازمة لتنظيم القاعدة، فطابق بينها ونظام صدام، وكان سيناريو الحرب بمثابة دفاع عن النفس..».

من هنا فإن المقالة الأولى والثالثة، تختلفان على مستوى الأطر الاستعارية الموظفة لإنتاج فهم لمعنى الراهن. بيد أن المقالة الثانية: «استعارة الحرب» محاولة لفهم النسف الذي تعرض له برجا التجارة العالميان بنيويورك (سبتمبر 2001).. ومن تم تحققت القراءة بما يوافق الهندسة المعمارية، ذلك أن «البنايات هي رؤوس، والتحكم فيها يتم من فوق، والمجتمع بناية». لكن الوقوف على إمكانية وضع الحدث داخل سياقه بإحالته على طرف ما، هو ما لم يفلح بوش الابن في الوصول إليه. يقول المؤلف: «باعتباري محلل استعارة، أريد أن أبدأ بسلطة الصور، ومن أين تأتي هذه السلطة ؟.. للبنايات عدة استعارات.. هناك استعارة بصرية عامة: البنايات رؤوس، ونوافذها عيون.. هذه الاستعارة هاجعة هناك في أدمغتنا في انتظار من يوقظها.. وقد نشطتها وفعلتها صورة الطائرة المتجهة صوب البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي.. صار البرج رأسا، وصارت النوافذ عيونا، وصارت قمة البرج هيكلا أو معبدا.. أما الطائرة فكانت رصاصة تخترق رأس أحدهم، والنيران المتصاعدة من الجانب الآخر كانت دما ينبجس».

يبقى كتاب «حرب الخليج أو الاستعارات التي تقتل»، نموذجا له فرادته على مستوى القراءة والتصور.. إذا ما لمحنا إلى الصيغة المتبناة والهادفة إلى توظيف البلاغي لفهم السياسي.

الكتاب: حرب الخليج أو الاستعارات التي تقتل

المؤلف: جورج لايكوف

المترجمان: عبد المجيد جحفة وعبد الإله سليم

الناشر: دار توبقال/ الدار البيضاء (2005)