مزاعم تاريخية تقوض المصداقية الصحافية

كتاب يتعاطف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لكنه مليء بالثغرات

TT

ارتباطا بالأضواء المسلطة على ايران، وهذه المرة بشأن خطط مزعومة لتطوير أسلحة نووية، هناك اهتمام متجدد بنظام حاول أن يسبح ضد التيار لمدة زادت على ربع قرن. وهذا الاهتمام المتجدد ألهم كثيرا من المقالات والكتب التي يرمي معظمها الى تصوير الجمهورية الاسلامية باعتبارها العدو المعلن رقم واحد في العالم. لكن كتاب ديليب هيرو الموسوم «إيران اليوم» يتميز بكونه متعاطفا مع الجمهورية الاسلامية.

يعتقد الصحافي المتمرس ديليب هيرو، الذي زار ايران مرات عدة منذ ثورة 1979، أن الجمهورية الايرانية قوة جريئة في العالم الثالث تقف بوجه الغول الأميركي الساعي الى فرض الهيمنة العالمية. وهو يضع آية الله الخميني، جنبا الى جنب مع هوتشي منه وكاسترو وعبد الناصر، باعتبارهم رموز تمرد العالم الثالث ضد الامبريالية. وعلى الرغم من عنوانه «ايران اليوم» فان كتاب هيرو يدور حول التاريخ الايراني خلال الـ 100 عام الماضية أكثر منه حول الوضع الراهن.

وفي عصر يقوم فيه كل امرئ بمهمة الآخر، حيث نرى الأكاديميين يمارسون النقد على شاشات التلفزيون ويكتبون مقالات الرأي في الصحف بكثرة وبسرعة، فانه من الصعب انتقاد هيرو على لعب دور المؤرخ بدلا من ممارسة مهمته كصحافي. ومع ذلك فان مزاعم الكتاب التاريخية تقوض مصداقيته الصحفية.

وبسبب أن الكتاب يتألف من 10 مقالات مستقلة حول جوانب مختلفة من الحياة الايرانية، فإنه يكرر الأحداث التاريخية الأساسية مرات عدة. وهذا بالمقابل يجعل من حجم الكتاب أكبر مما هو ضروري.

وفي معظم الحالات يقف هيرو، المؤرخ الهاوي، في طريق هيرو الصحافي المتمرس. فكل فصل يبدأ به وهو يزور مدينة او سوقا أو مرقدا ويتحدث الى الناس العاديين. ولكن شهية القارئ لا تستيقظ على عجل، وتجعل من هيرو المؤرخ اقل فاعلية في اطار قصص مستعارة من آخرين.

وعندما يتحدث الى تجار السجاد ومرشدي السياحة وسواق التاكسي ومديري الفنادق، يبرز هيرو باعتباره مثقفا عميقا كما يأمل أي صحافي. لكنه لم يقابل الأشخاص المهمين أصحاب القرار. ويتساءل المرء عن سبب عدم توجهه الى اجراء مقابلة مع شخصية بارزة في صراع السلطة في ايران خلال ربع القرن الأخير. وعلى سبيل المثال لماذا لم يتحدث الى علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، أو هاشمي رفسنجاني رجل الدين ورجل الأعمال الذي ظل في مركز السياسة الايرانية منذ عام 1979؟ قد يكون الجواب ان هيرو المؤرخ كان يفضل استخدام المقابلات المنشورة التي اجراها آخرون.

وفي بعض الأحيان يصعب تفسير هذا القصور في الاستماع الى آراء أناس فاعلين. على سبيل المثال كان هيرو في قم وعلى بعد مئات من الأمتار من بيت آية الله حسن صانعي، رجل الدين المستقل المؤيد للحركة النسوية. وكان المرء يتوقع من هيرو ان يقرع جرس الباب ويتحدث الى آية الله. ولكنه فضل الاستمرار بطريقته.

ولو أن هيرو كان قد استخدم مواهبه الصحافية بصورة اوسع وتحدث الى مزيد من الناس لكان قد سمع عن محمود أحمدي نجاد، الراديكالي الذي اصبح رئيسا للجمهورية الاسلامية في يونيو الماضي. ولكن احمدي نجاد، يظهر بصورة موجزة جدا في الخاتمة. وينتهي الجزء الرئيسي من الكتاب بتنبؤ بأن حسن روحاني، رجل الدين البارز ورجل الأعمال، سيكون رئيس ايران المقبل. (يتساءل المرء لماذا لم ترفع تلك الفقرة.)

ولا حاجة بنا الى القول إن هيرو كما يبدو لم يسمع قط بمنظمات قوية، ولو انها شبه سرية، مثل الحجتية وفدائيين اسلام والايثاريين والتحالف الاسلامي التي زحفت الى السلطة في طهران مع احمدي نجاد باعتباره رجلها الرسمي.

وتتميز مناقشة هيرو للقضية النووية بالضعف أيضا. فهو يقبل توضيح طهران الرسمي من أن الجمهورية الاسلامية لا تسعى الى اسلحة نووية. ولكن هل يمكن لامرئ ان يكون واثقا من ذلك الى هذا الحد ؟

والمفاجأة الأخرى تتمثل في ان هيرو لم يسمع، كما هو واضح، بأي من المعارضين البارزين، مثل أكبر غانجي وهاشم أقاجاري، وهما من الأسماء المعروفة في وسائل الاعلام الايرانية والدولية وأوساط حقوق الانسان.

ويعاني كتاب «ايران اليوم» من خلل عام في ما يتعلق بمعايير التحرير التي تهورت بعض الشيء في بريطانيا في الفترة الأخيرة. وكان بوسع تحرير جيد أن يجعل من قراءة الكتاب اكثر سلاسة عبر تخليصه من بعض التكرار، وكان بوسع تدقيق اكبر في الحقائق أن ينقذ الكتاب من عشرات الأخطاء في الأسماء والتواريخ والأحداث. ويعود بعض هذه الأخطاء الى حقيقة ان هيرو، وهو مواطن هندي، لا يتقن الفارسية، وكان لا بد ان يعتمد على المترجمين الذين يسببون مشاكل دائمة للصحافيين. ولكن الأخطاء الأخرى هي نتيجة عدم الاهتمام والتسرع. ورغم كل شيء، تتمثل احدى مزايا كتاب هيرو في انه لا ينتمي إلى تلك الحلقات التي تطرح السؤال: «ماذا نفعل الآن بشأن ايران؟»، بل يؤمن ان التغيير في ايران لا يمكن ان يأتي إلا عبر آليات داخلية. وعلى الرغم من أخطائه الكثيرة يستحق هذا الكتاب الاهتمام.

من أخطاء الكتاب

لم يكن المقصود من احياء الذكرى المئوية الخامسة والعشرين لقيام الامبراطورية الفارسية، أن تتوافق عيد الميلاد الخمسين للشاه، كما جاء في الكتاب. ففي ذلك الوقت كان الشاه في عمر الثالثة والخمسين. أما «الغيبة الكبرى» للامام الثاني عشر فقد حدثت عام 940 وليس عام 873 ، وقد اعتبر الكاتب أن خرمشهر «مدينة نفطية بارزة»، بينما هي لا تنتج قطرة واحدة من النفط، كما أن مدينة ورشت، التي هي عاصمة محافظة جيلان، ليست «ميناء على بحر قزوين».

أما طول ساحل ايران على الخليج العربي فيبلغ 11 كيلومترا وليس 480 كيلومترا. ولم يكن لرفسنجاني ان يكون شخصية بارزة في حركة مصدق عام 1951، فقد كان في عمر الخامسة عشرة يومئذ، ولم يقف الخميني ضد رضا شاه عام 1942، ذلك ان الشاه كان قد توجه الى المنفى في سبتمبر من عام 1941 .

ولم يكن ناصري الكولونيل المؤيد للشيوعية مشاركا في الاطاحة بمصدق في اغسطس 1953.. والحزب الديمقراطي الايراني كان يقوده أحمد قافام، ابن عم مصدق وخصمه، ولم يكن جزءا من الجبهة المؤيدة لمصدق. وشعبان جعفري، الذي يقدم باعتباره زعيم الهجوم على بيت مصدق في أغسطس 1953، كان، في الواقع، في السجن في حينه. وفي عام 1993 اعيد انتخاب رفسنجاني رئيسا للجمهورية الاسلامية بأغلبية الثلثين وليس بالأغلبية النسبية. وفي عام 1999 كان لطهران 27 مقعدا في المجلس الاسلامي وليس 15 مقعدا. واسم صحيفة «توس» يعني مهرة الحصان وليس الطاووس. وحزب الله تأسس عام 1975 وليس بعد ثورة 1979.

وليس هناك «آية الله العظمى محمد قمي»، وانما يوجد رجل واحد يحمل اسم حسن طباطبائي قمي.

والرئيس جيمي كارتر بدأ عمليته الفاشلة في ابريل 1980 «ليس لاستعادة السفارة الأميركية في طهران» وانما لانقاذ الدبلوماسيين الأميركيين الذين كانوا رهائن بأيدي المتطرفين المؤيدين للخميني في ذلك الوقت.

والزعم بأن كارتر كان «العقل المدبر» وراء غزو صدام حسين لايران عام 1980 غير صحيح ببساطة. ومن المؤكد ان الخميني لم يكن خلف الاستيلاء على السفارة الأميركية كما يؤكد هيرو. فقد علم آية الله بالحدث بعد ساعات كثيرة من وقوعه، ولم يصادق عليه إلا بعد يوم من ذلك.

وهناك ما لا يحصى من الأخطاء المماثلة كان بوسع مدقق جيد في الحقائق ان يحددها بسهولة.

=