أغاني البنات: ترمومتر المجتمع السوداني!

ممنوعة في وسائل الإعلام ومنتشرة على كل لسان

TT

«أغاني البنات»، هو الاسم الذي يطلق على الأغاني الشعبية الهابطة، ربما لأن البنات والنساء هن الأكثر غناء لها فى الأعراس والحفلات الخاصة، رغم أنها تتردد على لسان الفنانين الناشئين لـ«تسخين» الحفلات، لما تتميز به من إيقاع سريع. الاسم جاء مجندرا، وكأن الهبوط في الكلمات والتعابير لا يأتي إلا من النساء. هذه الأغاني محظورة في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة، ورغم ذلك فهي أغان متوفرة بكثرة على الكاسيت، وتلقى رواجا هائلا، ومحبوبة من مستمعيها، من كل الفئات تقريبا بسبب كلماتها الطريفة التى كما ذكرنا في حالة تطوّر وتبدل مستمرين، حسب تغيّر المجتمع.

تلك الأغاني تقول إن اهتمام الفتيات بالدرجة الأولى في الحياة هو الزواج، دون لف أو دوران. وأشهر الأغنيات التي لم يأفل نجمها منذ خروجها قبل سنوات، هي أغنية «أب شرا» وأب شرا هذا، هو شيخ صوفي شهير، دعواته لا تخيب ولا مرد لها، وخصوصا فيما يتعلق بالعثور على زوج لمن جاءت تتوسل وتستنجد به ـ كما يبدو. وتبدأ الأغنية بأنها ـ أي الفتاة ـ آتية إليه حاملة كل آمالها وأحلامها، قاطعة بحرين ورافعة رايتي «استسلام»، لتشرح له كل ما يجول بخاطرها وتحكي آلامها وهواجسها، بل ويقينها أن هناك عملا معمولا لها يحول دون زواجها، وتسأله الى متى ستظل «بائرة؟» ثم تعلن الفتاة استعدادها للزواج سرا من رجل متزوج، وفي النهاية لا تتورع عن الاعتراف بقبولها بالزواج، ولو بزوج أختها، ملقية بذلك كل القوانين والتشريعات خلف ظهرها لتحقيق حلمها الذي تبدو وكأنها ستجن أو تموت دون تحقيقه! وهي أغنية تعكس الخوف من العنوسة، عند الكثيرات من الشابات، خوفا من نظرات المجتمع وتقييمه، لأن الزواج نهاية حتمية وسعيدة لحياة المرأة، وعليها تقديم التنازلات في سبيل الوصول اليه. في نهاية عقد السبعينات بدأ الشباب في الاغتراب والسفر إلى الدول العربية، وبالطبع صار وصف عريس «مغترب» هو محور معظم تلك الأغاني، وترددت أسماء المدن العربية مثل، جدة ودبي وقطر وليبيا والرياض وأبوظبي. ومع بداية التسعينات حيث تحولت وجهة سفر الشباب الى أميركا وأوروبا، دخلت أسماء المدن الأوروبية والكندية الولايات الأمريكية في تلك الأغاني. وهناك أغنية باسم «أوريزونا»، تلك الولاية الأمريكية، إلا أن موسوعة معاوية يس عن تاريخ الموسيقي بالسودان، أوضحت أن لقب «أوريزونا» كان يطلق على ملوك الجعليين في مدينة شندي، ولا ندري الى أي المعنيين ترمي الأغنية!

أما فتى الأحلام الذي يرمز له عادة باسم «حمادة»، ففي الماضي كان موظف الحكومة يقع على رأس القائمة، والمدرسون، والعاملون في السلك الدبلوماسي، ثم أصبح الطبيب بسماعته والمهندس بالمسطرة على أولوية القائمة، ويليهما ضباط الشرطة والجيش ثم التجار، وتتحرك البوصلة العاطفية غالبا تجاه أكثر الشباب ثراء ودعة عيش، كما هناك رفض تام للمجتمع الريفي فى أغنية شهيرة بعنوان «أنا ما بدور المزارعية». وتأخذ تلك الأغنية بإسهاب في وصف الحياة القاسية في الحقول والمزارع وهموم المعيشة، ضاربة بحلم، أن يصبح السودان سلة غذاء العالم، عرض الحائط!، وكذلك هناك رفض تام لموظفي الحكومة، في الأغنيات الجديدة، وكأنما المقاييس انقلبت بقدرة قادر. ورغم اللهاث خلف عريس إلا أن هناك أغنيات ترفض الزواج التقليدي من ابن العم أو ابن الخال، وترفض أن يجبرها والدها على الزواج من شخص يختاره هو:

كان حقو تسألني يا يابا في أمري

تعرف كمان فكري في شريك عمري

مش حية تدفني في بيت يكون قبري

والله يابا حرام يبقى الزواج جبري..

ولا ننسى ماركات السيارات، حيث للفتاة السودانية قاموس جيد مواكب لكل السيارات، فتأخذ في مدح نوع السيارة التي يقودها العريس أو الحبيب عادة، بدءا فى الماضي من «سيهانبيرد» الكورية الى «المرسيدس» و«المازدا» و«التويوتا» و«البولو» و«الكريسيدا»، وحتى «الركشة» دخلت في الـ«توب تن»! ومن الطريف أن تقرأ في حلقات النقاش على الإنترنت، مطالبات المغتربين والمهاجرين من أصدقائهم المقيمين في البلد، بمدهم بأحدث «أغنيات البنات» التي خرجت الى النور للطرب، وللتعرف من خلالها الى أين وصل إيقاع الحياة!

هناك من يصف هذه الأغاني بأنها هابطة، ليرد عليهم الكاتب الساخر د. فتح العليم عبد الله معلّقا «حقيقة الأمر أن الأغاني والسلوكيات والمعاملات والأخلاق كلها معلقة في حبل اسمه الاقتصاد، فإذا انقطع الحبل هوى كل الغسيل أرضا، فلماذا يتكلم الناس عن هبوط الأغاني ويغفلون باقي الغسيل؟!».

وبعض آخر يرى أن تلك الأغنيات تعكس حقيقة مشاعر الفتيات وأحلامهن بيسر وسهولة، ودون تعقيد أو تنميق لفظي، ولها جمهور كبير لا يحق تجاهله، كما تقول الكاتبة أمل هباني التي تطالب بالسماح ببثها في الراديو والتلفزيون.