ظاهرة تأليف الكتب حول الإرهاب لها أثر مدمر أيضا

تشارلس آلين المؤرخ المعروف على طريقة «أي شخص ليس معنا فهو إرهابي»

TT

دائما ما تقدم المكتبات المعروفة مساعدة كبيرة للمتصفحين من خلال عرض كتب جديدة في أقسام مصنفة على أساس المواضيع والقضايا التي تتناولها الكتب. فعلى سبيل المثال، اذا كنت تبحث عن قصائد، ستبحث عنها في قسم الكتب الخاصة بـ«الشعر»، فيما يبحث قراء القصص البوليسية في القسم الخاص بكتب «الجريمة».

لعل الوقت بات مناسبا الآن لإضافة قسم خاص بالكتب التي اُلفت حول «الإرهاب». فهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 أدت الى كتابة آلاف الكتب سنويا حول الإرهاب، إلا ان معظم هذه الكتب لا يساوي الورق الذي طبعت عليه، ذلك ان بعضها يسعى الى إثارة «صراع حضارات» من خلال تأجيج الكراهية الدينية.

ظاهرة تأليف الكتب حول الإرهاب ونشرها على نحو سريع لها أثر آخر مدمر. فقد وضعت هذه الكتب مؤلفيها، والمؤرخين على وجه الخصوص، تحت ضغوط «ترتيب» أعمالهم وكتاباتهم على نحو محدد يعكس الافتراضات والأمور المسلم بها والتحيز فيما يتعلق بتناول القضايا ذات الصلة بالإرهاب.

يبدو ان هذا ما حدث لتشارلس آلين، المؤرخ المعروف لحقبة الحكم الاستعماري البريطاني في الهند. كتاب آلين الجديد God"s Terrorists بدأ فيما يبدو كدراسة عادية لحركات التمرد التي شكلت تحد للوجود البريطاني في الهند، ما تسبب في نشوب نزاعات مسلحة، بل وحتى حروب كاملة. إلا ان الكتاب بعد ذلك وضع في وجهة مختلفة بهدف تحويل هذه الحركات المتمردة الى منظمات ارهابية، التي سيفترض بالضرورة انه ذات صلة بإرهابيين مثل ابو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن.

تناول آلين ايضا فكرة رائجة وسط مؤلفي الكتب الغربيين التي تعد على عجل وهو وصف كل الجماعات الاسلامية المتطرفة بالوهابية.

يحاول المؤلف آلين، الذي زعم انه وضع يده على «الجذور الخفية للجهاد الحديث»، تأسيس صلة بين الحركات المتمردة المناوئة للحكم الانجليزي في الهند وتعاليم محمد بن عبد الوهاب. ولكن يتضح بسرعة ان آلين يفتقر الى معرفة هذه التعاليم باستثناء ما قرأه من كتب ألفها زملاؤه «الخبراء» في مجال شؤون الارهاب.

يزعم آلين، على سبيل المثال، ان الوهابيين نصّبوا اكبر شاه ملكا لسوات Swat لأنه «سيد» ويتحدر نسبه بالتالي من النبي، إلا ان أي شخص اطلع على تعاليم محمد بن عبد الوهاب يعرف بالتأكيد رفض لأي تمييز قائم على العرق والنسب وسط المؤمنين.

تأثرت غالبية حركات التمرد الاسلامية ضد البريطانيين في الهند بفكرة المهدي المنتظر والرحلة المشتركة بين المهدي وعيسى الى القدس حيث من المفترض ان يقتلا التنين.

واتخذت حركات التمرد ايضا صبغة صوفية قوية ويظهر ذلك في بعض المصطلحات مثل «مرشد» و«مريد» و«مراد» و«زاوية». وفي واقع الأمر كتب آلين نفسه عن الدور الذي لعبته الجماعات الصوفية خصوصا النقشبندية في غالبية حركات التمرد. ومن له إلمام بتعاليم الوهابية يدرك ان تعاليم الوهابية لا تتضمن أي حب للصوفية والصوفيين.

وبسبب عجزه عن ايراد دليل على اعتناق المتمردين ضد الوجود البريطاني للتعاليم الوهابية، لجأ آلين الى الافتراضات غير الصحيحة. فقد أورد، على سبيل المثال، في تناوله لجماعات التمرد: «يجب ان يكون الافتراض هو ان بعض هؤلاء كان ينتمي الى الوهابية». إلا ان آلين لم يوضح الأساس الذي بنى عليه هذه الفرضية، كما ان استخدامه لكلمة «بعض» غير مفهوم.

كتب آلين حول مجموعة تمرد اخرى: «اُطلق عليهم فيما بعد الوهابيون، وربما كان هناك بعض الحقيقة وراء هذه التسمية».

ولكن السؤال الذي يبرز هنا هو: من الذي اطلق عليهم هذا الاسم؟ وعلى أي اساس؟ وما هو مقدار «بعض الحقيقة»؟ إلا ان آلين لم يورد ما يمكن ان يعتبر إجابات على هذه الأسئلة.

يتناول جزء كبير من الكتاب حركات التمرد المتتالية التي حدثت في سوات، وهي منطقة القبائل الباكستانية حاليا. وكانت هذه المنطقة بمثابة القاعدة الأساسية لتمرد المجندين في قوات الحكم الاستعماري البريطاني، الذي كان بمثابة اكبر انتفاضة ضد الحكم البريطاني آنذاك. كان يشكل هؤلاء المجندون (Sepoy) جزءا من الجيش الذي كان يقوده ضباط بريطانيون (كلمة سيبوي مشتقة من كلمة سيباهي الفارسية، وهي تعني «الجندي»).

تناول آلين بصورة مثيرة للاهتمام ذلك التمرد المشهور، إلا ان تناوله كان من وجهة نظر شخص يحن الى ماضي الامبراطورية البريطانية. وتكمن الاشكالية في محاولته تصوير النضال المناوئ للاستعمار كونه مشروع «ارهاب اسلامي»، إذ هناك حقائق لا يمكن ان يتجاهلها واضحة للعيان. فقد اضطر الى الاعتراف بأن غالبية المشاركين في ذلك التمرد كانوا من الهندوس. كما اشار ايضا الى ان بير علي بانتا، الذي قاد تمردا رئيسيا آخر، «فشل في كسب الوهابيين لصالح قضيته».

درجت الحركات السياسية في العالم الاسلامي، حتى منتصف القرن الماضي على الأقل، على اتخاذ سمة دينية الى حد ما سعيا لتحقيق قبول لدى الشارع، إلا ان ذلك لا يعني ان تجري دراسة او تناول هذه الحركات السياسية كونها ظاهرة دينية، وهذه مشكلة في تناول آلين يقع فيها كثير من الكتاب الآخرين الذين يكتبون عن العالم الاسلامي.

المسلمون الهنود الذين كانوا يرغبون في التخلص من الحكم البريطاني لم يستطيعوا مواجهة السلطات باسم ايديولوجيات علمانية. إلا ان انخراط غير المسلمين، خصوصا الهندوس، في التمرد الذي قاده اصلا مسلمون يثبت ان النضال ضد الاستعمار كان سياسيا وليس دينيا.

طرح آلين افتراضا آخر وهو ان أي شخص حارب ضد القوى الاستعمارية الغربية «ارهابي»، إلا ان كل النزاعات والحروب التي كتب حولها يمكن النظر اليها كونها مواجهات عسكرية عادية وليست اعمال ارهاب، ذلك ان للإرهاب تعريفا محددا تجاهله آلين لأنه يعتقد ان «أي شخص ليس معنا فهو ارهابي».

ويمكن توضيح هذه النقطة بالقول ان الملا محمد عمر، زعيم طالبان، ليس ارهابيا، رغم انه كان حاكما مستبدا قاد افغانستان الى مأساة. انتصر الملا عمر على منافسيه اما برشوتهم او قتلهم. فهو لم يحدث ان زرع قنبلة في مطعم للبيتزا بهدف قتل الأبرياء، كما انه لم يرسل انتحاريين في مهام تهدف الى قتل اشخاص ليسوا طرفا في نزاع معه. ولكن يمكن وصف اسامة بن لادن بالإرهابي لأنه فعل كل ما لم يفعله الملا عمر.

بعض المتمردين الهنود الذين يكتب عنهم آلين اقرب الى الملا عمر وليس الى اسامة بن لادن. يمكن القول انهم مهوسون دينيا لكنهم ليسوا ارهابيين.

كتاب آلين يعاني من مشكلة تدهور مستوى المراجعة والتحرير والأخطاء، وهي مشكلة باتت ملحوظة في بعض دور النشر ببريطانيا. على سبيل المثال، جاء تعريف فيروز، الذي طالب بحكم دلهي، مرة كونه ابن اخ ومرة اخرى كابن وثالثة ابن عم بهادور شاه، آخر امبراطور للمغول. كما انه اشار الى فريدون كـ«ملك فارس القديمة»، بدل الإشارة اليه كملك اسطوري. يضاف الى ذلك ان كلمة «فقير» ترجمت «شيخ» بدلا عن معناها الذي يدل على التواضع ان الفقر، وهما المعنيان الحقيقيان للكلمة. كما ان كلمة «سردار» تعني «مسؤول» وليس «حاسر الرأس».

ورد في اكثر من موقع في الكتاب ان المسجد الاقصى في القاهرة، وهذا غير صحيح، فالمسجد الاقصى في القدس.

الحركة السلفية التي نشأت في الشرق الاوسط، وخاصة في مصر، لم تكن من ابتكار المدرسة الديوبندية في الهند، كما يعتقد آلين. ووصف الحركة الديوبندية كحركة متطرفة ومصدر للارهاب غير صحيح ولا منصف. ومفتي فلسطين الحاج امين الحسيني وليس محمد حسين. ولقب السلطان محمود غازناوي «غازي» يعني مقاتلاً وليس «جزاراً»، كما يزعم آلين. كما ان «رسالة الجهاد» ترجمت خطأ وأوردها آلين على اعتبار انها تعني «جيش المجاهدين».

لقب «آخوند»، وهي كلمة تركية ـ فارسية، تعني استاذ العلوم الدينية الذي يساوي درجته رتبة الكولونيل في الجيش. «أغاخوندا» لا تعني «قديس»، كما اشار آلين، لأن هذا المفهوم في المسيحية ليس له مقابل في الاسلام.

ولأسباب واضحة لا يمكن ان يصبح الملا محمد عمر وأسامة بن لادن تلميذين في مدرسة ديوبندية في باكستان عام 1989. اورد الكاتب ان ايمن الظواهري كان وراء اغتيال عبد الله عزام في باكستان، لكنه لم يشر الى أي دليل لتأكيد هذه التهمة.

على الرغم من ان عنوانه يعتبر مستفزا لملايين الهنود والمسلمين والهندوس الذين حاربوا ضد الهيمنة الاجنبية، فإن كتاب آلين يجب ان يجد ترحيبا من القراء المسلمين، لأنه يساعدهم على معرفة المزيد من المعلومات حول العلاقة بين الاسلام وسلطات الحكم البريطاني في الهند آنذاك، عندما كانت بريطانيا العظمى اكبر «امبراطورية مسلمة» في التاريخ، بحساب عدد المسلمين الخاضعين لحكمها.