عودة النص: فؤاد العروي يحاكم أزمنة الرصاص

TT

يمكن القول إن صدور المجموعة القصصية «البهلول» مترجمة إلى اللغة العربية من طرف إبراهيم الخطيب، قد رسخ عودة النص للقضايا المعبر عنها من جهة، ومن أخرى، فإنها المرة الأولى التي ينقل فيها إبداع القاص والروائي فؤاد العروي المقيم بهولندا، إلى اللغة العربية، مما سيتيح إمكانية تعرف القارئ المغربي والعربي على إبداع هذا الكاتب المولود شرق المغرب (وجدة) عام 1948.

تتضمن المجموعة القصصية الصادرة عن «دار الفنك»، تسعة نصوص متفاوتة الطول. على أن اللافت فيها هو الامتياح من الذاكرة. ذلك أن فؤاد العروي يعمل على استدعاء قضايا وأحداث ذاتية يتحقق من خلالها الوصول إلى رسم صورة عن الواقع الاجتماعي بالمغرب، بما يعتريه من تناقضات وانكسارات يصعب الوصول إلى القبض على المنفلت منها. إن تفعيل الذاكرة في «البهلول»، قاد إلى استعادة لحظات تم فيها تمثل صورة الآخر المكتشف والمنبهر، والذي لا يحوز ثقة أحد، حيث تبدو رؤيته فوقية تعتبر الآخرين بلا كبير قيمة وأهمية.

إن الآخر في ضوء هذا، من يعتقد بأن ما يمارس عليه احتيال ومكر وخديعة، ولئن كان ميثاق الصدق في براءته أساس التعامل: «حدثها زوجها عن هذا الشعب الجذاب، والنصاب في لطفه أحيانا، والذي لا يجب منحه إلا القليل من الثقة».( ص7 )

إن هذا التصور الفوقي قاد القنصل وزوجته نحو حتفهما، تحت أنظار البربر الذين عاينوا المشهد بعد دق جرس التنبيه: «جرف التيار المجنون الرجل وزوجته والسيارة.. ومن أعلى التل، عاين البربر المتسنمون هناك تلك الموجة القادمة من بعيد وهي تتلاشى، وقد وضعت حدا لنشاط القنصل وزوجته في وثبة واحدة..».(ص 12)

ومثلما يبرز الآخر خائفا ومقاوما ومتعاليا، فالصورة النقيض تعكسه وديعا قابلا لربط علاقات وصداقات مع الطفولة ـ خاصة ـ، حيث يبث خطاب الاستمالة المطبوع بالحس الآيديولوجي..

وإذا كانت الذاكرة تفعل في هذا الجانب، فإنها على السواء تتمثل الزمن المغربي في بعديه الاجتماعي المتدني، والسياسي المراهن على خطاب السلطة للحد من الحريات. فالاجتماعي المتدني تجلوه شخوص تنتهي في الغالب إلى الموت، بحكم أن الواقع أقوى منها، وبالتالي فإنها غير قادرة على مواجهته ومجابهته: «من سوء حظي أنني كنت مجددا على الرصيف عندما انتشلوه: ففي تلك الليلة نمت نوما مضطربا وكان وجه الغريق يلازمني كالوسواس».(ص 18). «لكن الرجل المنحني لم يكن يتميز عن حلكة الجدار إلا لماما.. وعندما مد إلي عصا العرقسوس، لامست يده هنيهة يدي، فكان ذلك أشبه بعالمين متناقضين اصطدما سهوا».(ص 22)

وأما السياسي فيظهر في هيمنة وتسلط العهد الأوفقيري، حيث طالت الاعتقالات السياسيين والمثقفين، كما يمثل في بسط سياسة الإخضاع والإكراه والانتظار القاتل، الشيء الذي يجعل السلطة أشبه باليد الطويلة القادرة على الوصول إلى أي شيء: «ذلك عهد أوفقير! أشياء من ذلك القبيل وقعت وغيرها أيضا، فضلا عن فضائح أخرى».(ص 23) «وهذا أمر بسيط، إذا يكفي احتساب مدى تقدم الأشغال، وقوة هبوب الريح، والأيام المحتملة لسقوط المطر (يومان)، ومدى جاهزية مولاي أحمد العلوي الرجل الذي يدشن كل شيء».(ص 42)

إن قارئ المجموعة يقف على نصوص قصصية مشحونة بالدلالة الانتقادية، كما بالحس الساخر، حيث تنهض اللغة على التكثيف واللمحة الشعرية المرهفة، إذا ما ألمحنا لكون بناء النص يخضع للدقة، وفق ما تقتضيه وتستلزمه القصة القصيرة.

ختاما: ألا نقول مع القائلين: إن هذه النوعية من الكتابات الأدبية موجهة للغرب، حيث أن نقلها إلى اللغة العربية كشف عن بساطتها من جهة، وسرعة تناولها للمواضيع والقضايا؟