وصيّة

شعر: علي الدميني*

TT

لم أقل لأبي في الصبا ما يُسِرُّ الفتى لأبيه لم أقل قد سردت الحكايات كي أتقوّى على كذبي بالصبي النزيه لم أقل قد رأيتُ فؤادي يطيرُ بلا أجنحة لم أقل كنتُ أبحث عني غداة عدا الذئبُ في غنمي وأنا أتشهى ثياب الصبايا على «الأسطحة» لم أقل كان يتبعهن فؤادي فأسلمتُ مزرعتي للجرادِ، وإذ جئتني غاضباً قلتُ يا أبتِ: كيف أحمي الحقول وقلبي بلا أسلحةْ! يا أبي لم أقل خانني بصري إذ رأيتُ الصبايا سواسية يتحدّرن من جبلٍ في السماء يتقاطرن من مطرٍ صاغ أصواتهن فماً يتكلمُ حين تنام النجوم، ويغفو الهواء وإذا أفسدَ الليلُ غاباته جئن لي بالمصابيح، حتى «إستجنّ» قريني وأشعلني بالغناء ونحتن بأعشاش قلبي قواريرهن وزوجنني لفراغ البكاء.

كلهن سواء كل واحدةٍ تشبه الكلمات التي لم تلد بعدُ، أو تتكلم والزمان الذي لا يشيب ولا يتهدّم والنخيل المغطاةُ كل صباح بأهداب مريمْ يا أبي لم تُعني لأختار، أو تمتحني لأحتار، أو تكسر الوهم كي أتعلم يا أبي مذ دخلت المدينة أدركت أن الفتى غارق في كتاب النساء لم أقل: أي امرأة سوف أثقل أوصافها بفمي، وأدون في متنها سفري، وانتحاري السعيد أيهن ستسرج في ليلها قمري، وأصيرُ فتاها الوحيد لم أقل هذه شبهي سوف تكمل جملتها باب بيتي، وأصواتها سلّمي في الموسيقى، ولم أتمرن على ما يدل الفتى في المساء إلى نفسه، أو يؤجج ثلج الجنوب ببادية الشام، أو يتخلق في المبتدأ، خبراً للقصيد يا أبي خانني ما توهمته في الصبا حين خلت النساء سواء اللواتي ملأن كتابي بأوصافهن واللواتي تخفين في ضعفهن واللواتي حذفن التشابه حتى عسقت السواد الذي يشبه الأصدقاء ولهذا تفرق قلبي هوى في القبائل، من ذا يدلُ عيوني عليه؟

يا أبي لم أقل في الصبا ما يُسرُ الفتى لأبيه ولذا سأسر لابني بما أنا فيه!

* شاعر سعودي =