المرأة تكتب عن قضايا كبيرة من خلال تفاصيل صغيرة

TT

منذ تحررت المرأة من سيطرة البعد الآيديولوجي في الكتابة، المبني على فكرة القهر النوعي، وتحررت أيضاً من عقدة مواجهة الذكورة، أصبح هناك أفق مختلف تماما، للكتابة. لا ينطبق هذا الكلام على المنطقة العربية فقط بل على العالم كله. وإذا راجعنا قوائم الكتب الأكثر مبيعا في العالم، سنكتشف أن الكاتبات حظين خلال السنوات الأخيرة بانتشار وتقدير ملحوظين، الأمر هنا لا يأتي في سياق المواجهات التقليدية بين كتابة توصف بأنها نسوية وأخرى ذكورية وإنما هي ملاحظة عامة تعتمد على الأرقام والمعلومات. وتفسير ذلك بسيط، فمعظم التقدير الذي نالته الكاتبات، في العالم، راجع لأن كتاباتهن تتمتع بحساسية شديدة، وتتطرق لموضوعات وتفصيلات دقيقة يمكن ان نصفها بأنها حساسية انثوية تعرف كيف تلتقط التفاصيل. ويكفي أن نراجع أسماء الروائيات الأكثر انتشارا في الهند والصين وايران ودول أخرى، لنتأكد من أن كتابة المرأة تكشف عن عالم كبير من خلال تفاصيل صغيرة على عكس ما كان مطروحا من قبل. انطلقت هذه الكتابة من مناطق مغايرة إذن، والغريب أن ما كان يعتبر عيبا في الكتابة النسوية مثل الإسراف في التفاصيل، أصبح هو المدخل للكتابة الجديدة، وهو الطريق الأكثر حداثة في التعبير عن المشكلات الكبرى بطريقة غير معتادة.

لكن، على الرغم من الإضافات التي حققتها الروائيات العربيات، ألحظ أن التعامل النقدي والإعلامي، لا يزال يتعاطى مع كتاباتهن على أنها نسوية وليست إبداعاً يفرض نفسه كقيمة منفصلة عن جنس كاتبه، وهو أمر غريب، خاصة أننا تجاوزنا كمبدعات هذه الأزمة، ولم تعد عقدة الكتابة المذكرة تمثل هاجسا لنا.

ظاهرة الحضور الطاغي للروائيات على خارطة الإبداع، لا يقتصر على كثرة العدد. فالكاتبات العربيات اصبحن أكثر حضورا على مستوى الكم والكيف، والتجربة العربية ليست منفصلة عن عالم الكتابة الكلي، لكن المشكلة من وجهة نظري تتمثل في التلقي النقدي الذي يصر على التصنيف النوعي، للتعامل مع اي رواية تكتبها المرأة، رغم أن الكثير من القراء تجاوزوا ذلك وبدأوا يتعاملون مع النص باعتباره كيانا أدبيا فقط.

المرأة لم تكتب من فراغ، فقد انطلقت متأثرة بتاريخ التطور الروائي، لكنها نجحت في أن تضيف الكثير، على مستوى اللغة، مثلا طرحت ذائقة لغوية مختلفة، واستفادت من كتابة الرجل لكنها أفادته في المقابل. وبجانب كل ذلك ما تزال هناك كاتبات يستخدمن المواصفات الكلاسيكية في الكتابة، وهي مواصفات ذكورية في الأساس، لكن جيلنا كان مختلفاً، في غالبيته، فقد عرفنا كيف نمتلك القدرة على النظر إلى النص كمطلق.

جيلي دمغته اسماء كاتبات اكثر مما دمغ بأسماء كتاب. وكاتبات جيلي لم ينطلقن من تحت مظلة الكتاب الرجال بل حدث العكس. لم يكن كتاب جيلنا يمثلون لنا ريادة ولا آفاقا جديدة في الكتابة. كنا كلنا، شباناً وشابات، مجرد مجربين، وكانت هناك متغيرات سياسية واجتماعية تحول الفروق النوعية إلى حاجز وهمي. وكانت روح المغامرة لدينا تجعل كتاب جيلنا يتابعون منجزنا ككاتبات، وربما اننا كنا أكثر منهم رغبة في المغامرة، والأمثلة عديدة، لكنني سأكتفي بمثال واحد. فعلى مستوى كتابة السيرة الذاتية، تم استخدامها بشكل لافت للنظر من قبل الكاتبات. كما أن التلاعب بالنص السيري أو الإيهام بالسيرة اتسم بالجرأة مقارنة بما فعله الكتاب، لقد خضنا مغامرات حقيقية، أضافت إلى الرواية العربية، ما لا يستهان به.