حاولنا تحطيم المنظومة القيمية السائدة ودفعنا ثمنا باهظا

TT

أعتقد أن كتابة المرأة في السنوات الأخيرة، جرّت الرواية العربية إلى مناطق جديدة، ربما لم تتطرق لها الأقلام من قبل، وهو ما يعتبر إنجازا بصرف النظر عن النتائج. فمجرد فتح آفاق جديدة للكتابة يعتبر منجزا مهما. هنا نحن لسنا بصدد التقييم بقدر ما نحن مشغولون بالرصد. فعلى مستوى التقنيات والأساليب السردية، هناك محاولات أظن أنه يمكن الإشارة لها والقول بثبات أنها محاولات جادة أضافت للطرائق السردية وهو أمر يستحق التوقف والمتابعة.

استطاعت هذه الكتابة أن تتجاوز بعض المحرمات أو التابوهات التي عاشت الكتابة المتراكمة من قبل عليها، ولم يكن الأمر مجرد شجاعة، وإنما جاء كحتمية أضافت إضافة حقيقية إلى خريطة الكتابة في الوطن العربي. البعض يصف ما حدث بأنه طفرة اسلوبية، لكنني أرى انه تعبير غير دقيق، لأن الطفرة لا تحدث فجأة وإنما تنتج عن مجموعة من التراكمات. لقد دخلت المرأة عالم الكتابة الروائية في وقت متأخر مقارنة بالرجل، لذلك لم تكن مسألة الطفرة واردة، لكن المرأة الكاتبة قدمت بالفعل إضافات ساهمت في دفع الكتابة الأدبية إلى منطقة أكثر تقدما، وهناك أعمال تؤكد لذلك، غير أن هناك من يحاول أن يحجم هذه الإضافة داخل حدود التفاصيل الصغيرة التي قد تلتقطها الكاتبة وهو أمر غير دقيق. فالتفاصيل في حد ذاتها لا تعتبر قيمة، لكن اهميتها تبدأ عندما تصبح حاملة لدلالة ما، بدون ذلك تتحول إلى مجرد ثرثرة، ويصبح الرصد التفصيلي مجرد رصد ديكوري لا يمس حقائق الأشياء، كما أن رصد التفاصيل ليس حكرا على الكاتبات لأن هناك كتابا يرصدونها بدورهم، لذلك أعتبر القول بأن المرأة تفصيلية: أكذوبة.

في مرحلة ما، صار التناقض بين الوضع الفعلي للنساء ومظلة القيم وما يترتب عليها من قوانين ورؤى اجتماعية شديد الوطأة على المرأة العربية، وكان يمكن أن يمضي في مسارات مغايرة كالعمل النسوي، لكن بسبب جملة من المواضعات السياسية في العالم العربي التي جعلت القنوات التعبيرية محدودة، اقتربت المرأة من الكتابة للتعبير عن إشكاليات لم يقترب منها الرجل كثيرا. من هنا يبدو الأمر كما لو كان الهدف من أية إضافة تحققها الكاتبات نوعا من مناطحة الرجل، وهذا أمر غير صحيح لأن هذه الكتابات جاءت كاحتياج فعلي طبيعي للنساء في العالم العربي. في سياق كهذا، وجدت نفسي معنية بعالم النساء الوحيدات، وقدمت القضايا الكبرى من منظور المرأة «المعشوأة» (أفضل استخدام هذه الكلمة التي تعبر عن المرأة التي لا تمتلك خبرات أو مهارات تعليمية تؤهلها للانخراط في المجتمع على نحو صحيح)، كما حاولت في «البشموري» أن أركز على المسكوت عنه تاريخيا. وأعتقد أن كوني امرأة ساعدني في إنجاز كل ذلك، خصوصا أنني ذات تجربة سابقة في العمل العام والسياسي في مرحلة حساسة ومحتدمة من تاريخ المجتمع. كنت واحدة من بين نساء كثيرات، دفعن كلهن ضرائب باهظة دون الحصول على شيء في المقابل. من بين بنات جيلي كنت أسعد حظا، فهناك من أصيبت بالجنون وهناك من انتحرت وهناك من تقاعست، لكنني اتجهت للكتابة. باختصار كان جيلي هو أكثر جيل نسائي دفع ضرائب، مقارنة بمن سبقه ومن لحقه، لأننا حاولنا تحطيم المنظومة القيمية السائدة ودفعنا ثمنا باهظا لهذا. لقد جئت من هذه المنطقة إلى الكتابة، وربما كان هذا هو ما دفعني لتقديم كتابة مغايرة ومختلفة حتى عمن سبقنني من النساء.