الجرأة التي تفجر إيجابية الاختلاف

TT

دخول المرأة على خط الرواية، أحدث متغيرات في خريطة الكتابة وعوالمها. ثمة بالطبع حاجة عند النساء للبوح، ولديهن الكثير مما يرغبن في قوله عن حياتهن وعوالمهن. وثمة حاجة لأن تحكي المرأة بعدما صمتت كثيرا، وبعدما حكى الرجل بلسانه عنها. ولكن، يبقى السؤال، حول ما اضافه هذا الحضور الكتابي للمرأة على الرواية، عموماً، على مستوى الجرأة، في تصديها للممنوعات التي لم يكن الكلام فيها أو حولها متاحا. في هذا المعنى يسقط الممنوع مثلما سقط أو مثلما تهافت خطاب الحداثة الذكوري بامتياز، مما أفسح المجال لإطلاق أسر خطاب كان مقصيا ومستبعدا (خطاب المرأة) من دون أن يعني ذلك، ان حرية خطاب الآخر أو حضوره غير فاعلين أو غير مرغوب فيهما.

ربما هي الجرأة التي شرعت الباب للخطاب المستبعد، انطلاقا من قدرة هذا الخطاب على مقاربة عوالم ومناطق معتمة وخرساء، لم تبلغها كتابة الرجال عن عالم المرأة. فالرجل يعرف عن المرأة الصورة التي رسمها لها هو والمجتمع، ولا يعرف عنها الحقيقة التي تعيشها. ولا شك، أيضا، ان أساليب المرأة في التعبير أغنت الكتابة وفتحت آفاقا بعدما تطورت كتابتها من الصراخ، والدعوة ليكون لها حياة وجسد، إلى محاولات التفتيش للتعبير عن عالمها وجسدها وفك حروفه التي تتعلمها.

والبوح اختراق للخطاب السائد في الأدب الذي كلّس الأعماق، وبدا صعبا أن يطفو على السطح بفعل التحريم أو العيب أو بفعل الذهنية الذكورية أو الكليشيهات التي تحول فيها الجسد إلى خطاب ايديولوجي أو أشكال للكتابة تعبر عن هواجس فضائحية او تحصر الجنس بتكنيك الفعل، في حين ان الجنس هو فعل حياة كاملة، لا هي منفصلة عنه ولا هو منفصل عنها، ووسيلة لانكشاف ما هو إنساني واجتماعي ونفسي عند صدامات العلاقات وأقبيتها وأسطحها.

نعول كثيرا على حضور المرأة الكتابي، ولكن خارج ما يسمى «بالكوتا الكتابية النسائية». كتابات المرأة أتت لملء فراغ حكائي عند النساء، وأتت حاملة كل هذا الطوفان للمرأة وكل تبعاته. من نافل القول إن الجرأة وحدها تذهب بنا إلى كل ما هو حقيقي وملموس وكاشف للمستور. لكن من نافل القول ايضا ان الكتابة عن المواضيع بجرأة تحتاج إلى امتلاك الحرية فعلا، وليس إلى ردة فعل. وبمعنى آخر، هناك فرق بين الصراخ والهمهمة والكتابة الثأرية. فأنا اعتقد أن كثيرات يكتبن بجرأة ولكن بلغة ذكورية بامتياز، مستعيرات تهويمات الرجل، وتمثلاته باللغة. كما أن هناك كتابات للمرأة تفصح احياناً عن بقايا أو مخلفات الصراخ (والأنين) الذي لا يكفي لانتاج كتابة حقيقية تملك شرطها الفني. فالصراخ احياناً، ينبغي ان يتجاوز حدود الصراخ الأجوف، ليسمع ويؤثر ويفعل. هناك فرق بين الصراخ الأجوف الذي هو ترداد فارغ، والصراخ الحقيقي والحي، كما في بعض الكتابات التي تشكل منعطفا أساسيا وتغييريا في حضور المرأة الكتابي والتي تكسر أحادية الصوت الواحد. ومن هنا، فإن تصور الكتابة من دون دخول المرأة على الخط، هو نقصان للاختلاف الضروري، وإن كان كل اختلاف يضمر صراعا، وعدم دخولها يكرس أيضا الطغيان، طغيان الصوت الواحد. علما بأن هذا الصوت الواحد، لم يكن ايقاعا خاصا يتكرر ترداده في كتابة الرجل. ففي العديد من كتابات النساء، كثيرا ما نسمع الإيقاع الذكوري نفسه.

وفي هذا أعتقد أنه حين حكى الرجل، كان لديه تعدد أصوات، ولكنه تحت مظلة السلطة الذكورية، وحين حكت المرأة، حكت تحت مظلات كثيرة، من سلطة الزوج، والابن والأخ، وغيرهم. البوح الآن بجرأة، يلغي الحضور الكتابي المنفرد، ويغذي التعدد، والتنوع، والاختلاف، والتكامل، والحوار، واحتمالات هذا الاختلاف من غنى وثراء.