مخرجات مصريات: نرفض التهميش.. ومن حقنا صدارة المشهد

يتحررن من الرجل باللعب على نصوصه دراميا

TT

اقتحمت كوكبة من المخرجات المصريات الفضاء المسرحي بقوة، ولم يكتفين بدور المرأة التقليدي كممثلة في اللعبة المسرحية، لكنهن يطمحن إلى إعادة رسم صورتها والتعبير عن قضاياها ورؤيتها للعالم بأعمال، يحمل بعضها توقيعهن، تأليفاً وإخراجاً، والبعض الآخر نصوص من إنتاج الرجل، لكنهن يلعبن عليها بروح أنثوية، في محاولة لزحزحة الصورة النمطية التي درج الرجل على رسمها لهن.

في هذا السياق، كان لافتا مؤتمر «المرأة مخرجة مسرحية» الذي نظمته أخيرا «هيئة قصور الثقافة» في القاهرة، ولعله الأول من نوعه الذي يحاول وضع هذه الظاهرة في موضع المساءلة النقدية. لكن لماذا «المرأة مخرجة مسرحية»؟، هل هي محاولة من المرأة لانتزاع بعض حقوقها من الرجل، وتصحيح صورتها الشائعة. أم هي محاولة من الرجل لإخراج المرأة من الهامش، لتكتسب مكانة أكثر حضورا وفعالية؟!

تعتبر المخرجة المسرحية أمينة سالم أن «الإبداع ليس حكراً على جنس بعينه، وتغير المجتمع لا يأتي إلا بالإدراك الملموس لمعنى الحرية». وتشير أمينة إلى أن اللحظة الإبداعية تنطوي في جوهرها على إمكانيات كثيرة، ولا تقتصر على إبداع ذكوري أو أنثوي، والمهم كيف يكون كلاهما مؤثراً في الخطاب الإبداعي ولغته. هناك مشكلات تطرحها المرأة وهي أجدر بطرحها، وهناك نوعية أخرى من المشكلات تمثل في مجملها الرؤى التي تطرح على الساحة لتغيير المجتمع، وتفعيل دور الفرد فيه ليصبح الفكر حراً حتى يتسنى للإبداع أن ينطلق، ولن يتم هذا إلا من خلال نزعات تحريرية تتخطى النظرة التحتية للمرأة.

وحول اختيارها إخراج نص «الأميرة تنتظر»، للشاعر صلاح عبد الصبور، وعما إذا كان يحمل نوعاً من المفارقة باعتباره نصاً لرجل. قالت: «لا أتعامل مع المسألة بهذه الحساسية، وإنما وجدت نص عبد الصبور يحمل نفس ما أحمله بداخلي من أفكار، بالإضافة لحبي للشعر، كما أنه أتاح لي أن أنوع في منهجي الإخراجي لأصنع عالماً أسطورياً موازياً للنص نفسه، وساعدني على ذلك أن عبد الصبور نفسه تأثر بالكثير من الكتاب الذين يمثلون اتجاهات متنوعة في تاريخ المسرح مثل يونسكو، وبريخت، وإبسن، بخاصة في تعرضه لقضايا سياسية تمس المجتمع من أجل تحريره».

وتقول المخرجة ريم حجاب: «في تصوري أن الإخراج المسرحي برغم أنه عملية ممتعة في جوهرها، إلا أنه شاق ومرهق بالنسبة للمرأة». وتبرر ذلك بأن قيادة المرأة لفريق العمل المسرحي تتطلب شخصية قوية وخبرة وفيرة، بالإضافة إلى التفرغ، وهو ما قد يتعارض مع مسؤوليات المرأة الاجتماعية.

وتخشى ريم أن يظل جهد المرأة في مجال الإخراج المسرحي قابعاً في الهامش رغم العروض اللافتة التي قدمتها. وتقول: «لا يوجد دعم لنا سواء من الدولة أو أي مؤسسة أخرى، وتدلل على ذلك بعدد من النصوص التي أخرجتها، ومنها «عرض حال»، و«تواطؤ»، و«تفاح وشموع»، و«ماراصاد»، وكلها كانت نتاج جهود فردية لشباب من محبي المسرح يعملون معي في فرقة «الكيان». وتطالب ريم بميزانية تخصص للعروض المشاركة في أي مهرجان، كما تطالب بتوثيقها في سجل المسرح، لكي يتاح استعادتها وعرضها في أي وقت.

وفي نظر المخرجة أميرة شوقي، تظل المرأة هي الشخص الأقرب إلى التعبير عن همومها ومشاكلها، وترى أن تعاطي الرجل مع قضاياها وبخاصة، على خشبة المسرح، كثيراً ما اتسم بالسطحية. فالرجل غير قادر على سبر أغوار المرأة، واللحظة الخاصة بها في دائرة الصراع، غالباً لا يتم تنويرها وتنميتها درامياً.

وترجع أميرة شوقي قلة المخرجات المسرحيات إلى الهموم والأعباء الاجتماعية الملقاة على عاتق المرأة وعدم تخلص المجتمع من الفكرة الذكورية التي تنظر إلى المرأة باعتبارها مخلوقاً ضعيفاً، أو عنصراً للإثارة الجسدية، ناهيك عما يتطلبه العمل المسرحي من جهد ومثابرة، وكلها ظواهر شائكة تجعل أي أسرة تتحفظ كثيراً على كون ابنتها مخرجة مسرحية.

وحول ما تطرحه في مسرحياتها، تؤكد أميرة أنها في كل الأعمال التي أخرجتها من خلال فرقة «الشكمجية» منذ نشأتها عام 2000، ومنها «الخادمات» لجان جينيه، و«القديسة في خطر» و«الصقر الجريء» ركزت على الإنسان، وحقه في النضال من أجل الحصول على حريته والتعبير عن آرائه.

ومن واقع تجربتها المسرحية، تشير المخرجة منى أبو سديرة إلى أنه ليس هناك خصوصية لمسرح المرأة، فالمرأة كمخرجة على خشبة المسرح أكثر خشونة من الرجل، وتحاول فرض سيطرتها ورؤيتها، لكن المجتمع ينظر إليها على أنها ناعمة ورومانسية. وفي تصوري هذه القوة تتطلبها مهنة الإخراج المسرحي نفسه، وهي مهنة صعبة يتحول فيها المخرج إلى قائد لكل مفردات العمل.

وفي رأي منى أنه لو توافرت الفرصة الصحيحة أمام العدد الوفير من المخرجات اللائي يتخرجن سنوياً من معهد الفنون المسرحية لخوض مجال الإخراج المسرحي لاتسعت رقعة اقتحام المرأة هذا المجال، واتسعت رقعة التجريب المسرحي أيضاً، وكل هذا سينعكس إيجابياً على الحركة المسرحية حتى تتخفف من إيقاع الرتابة والاستسهال الذي يسودها منذ سنوات عديدة.