رحلة وجبة غذائية.. من المنشأ حتى مائدة الطعام

قد تغير طريقة أي شخص في قراءة البطاقات الملصقة على الأطعمة المجمدة أو المحفوظة

TT

يصف مؤلف هذا الكتاب ما يسميه بـ«الخلل الغذائي القومي الأميركي». ويقصد به كم الاضطرابات الغذائية التي يعاني منها الأميركيون، مثل الهوس بالحميات (كانت وقتها حمية أتكنز هي أحدث الصرعات)، كما يناقش كذلك الصعود الرهيب لنسبة البدانة بين الأميركيين. ويقوم المؤلف بكل ذلك بأسلوب منطقي وعلمي تماما. والخلل الذي يصفه ينطبق بالطبع على معظم الشعوب، وإن اختلفت النسب.

يأخذنا مؤلف هذا الكتاب في رحلة مثيرة خلال السلسلة الغذائية، وهي رحلة قد تغير تماما طريقة أي شخص في قراءة البطاقات الملصقة على أية أطعمة مجمدة أو محفوظة، أو تردده عند اتخاذ قرار بشراء زراعات عضوية من عدمه. أما الأطعمة السريعة المقدمة في المطاعم فستغير نظرتك لها بالتأكيد. يتابع بولان مهمته ليس كناشط اجتماعي، بل كداعية إلى العودة إلى الطبيعة، فيقول: «إن طريقة تناولنا لطعامنا تمثل ارتباطا وثيقا بالعالم من حولنا. فنحن بذلك نختار إما الطبيعة بكل ما حباها الله من سخاء، وإما الصناعة بكل ما لها وما عليها، وبكل التجارب التي تجريها علينا. فكأننا نرتضي لأنفسنا أن نكون فئران تجارب». ويضيف المؤلف إن كل الاطعمة أصولها إما حيوانية أو نباتية أو فطرية. وكلما ابتعدنا عن ذلك الأصل، وزدناه تعقيدا بالتدخل في صناعته، كلما قلت القيمة الغذائية وظهرت السموم والأمراض، وعلى رأسها السمنة.

ولإيضاح وجهة نظره يتبع المؤلف استراتيجية بسيطة، هي تتبع أربع وجبات وإرجاعها إلى أصولها التي صنعت منها، لبيان مدى قربها أو بعدها من الطبيعة، ومدى تعقد الإجراءات التي مرت بها. يبدأ مثلا بوجبة هامبرجر من ماكدونالدز، وينتهي الى أن أصلها هو حقول الذرة في أيوا. فالذرة هي غذاء الأبقار التي يصنع منها البرجر، كما يستخرج منها أيضا الزيت الذي تقلى فيه البطاطس، وكذلك يصنع منها الشراب الذي يحلي المشروبات الغازية وغيرها، كما أن الذرة ومشتقاتها تمثل 13 عنصرا من 38 مكونة لوجبات الدجاج في نفس المطعم.

وبجانب التعقيد الشديد الذي تمر به إجراءات تصنيع تلك الوجبات، يلفت المؤلف نظرنا إلى كثرة تواجد الذرة في الأطعمة الأميركية. فمن بين 45000 صنف موجود في السوبر ماركت، نجد أن ربعها إما مكون من ذرة أو يحتوي عليها. ويرجع المؤلف السبب إلى وجود نسبة عالية من البروتين في الذرة، أساءت صناعة الأغذية استغلالها لصالحها على حساب الجميع، من الفلاح المزارع إلى العميل المستهلك.

الوجبة الثانية التي تابعها المؤلف هي وجبة مكونة من أغذية كاملة أو عضوية، وهي الأغذية التي من المفترض أن تكون صحية أكثر من غيرها. وهنا أيضا يكشف كثيرا من الزيف والخداع الذي يتعرض له المستهلك، بدءً من مفهوم «الحبوب الكاملة» الذي يعني لدى المستهلك حبوبا كاملة بقشورها، ويعني لدى الشركات المصنعة لتلك المنتجات أنه أضيف لها نسبة من الحبوب الكاملة فقط.

المعضلة التي يشير إليها عنوان الكتاب هي معضلة «ماذا نأكل في الغذاء أو العشاء؟» وهي معضلة تواجه فقط من لديه خيارات عديدة، مثل إنسان العصر الحديث. وكما تعلم رجل عصور ما قبل الحضارة أن يتعرف على الثمار السامة من تلك الآمنة، فعلى إنسان العصر الحديث أن يعيد الكرة فيعرف الأطعمة المفيدة المغذية من تلك الضارة.

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: الأغذية الصناعية، والأغذية العضوية أو «البديلة» والأغذية التي يحصل عليها الأفراد بمجهوداتهم الذاتية، سواء بزرعها أو جمعها من الغابات أو تربية الحيوانات..الخ. وفي كل فصل يتابع المؤلف هذا الغذاء من منشئه إلى مائدة الطعام، محللا علاقاتنا التي تشركنا في تطور الأنواع التي نعتمد عليها في غذائنا. وهو في النهاية من أفضل كتب «تفتيح الأعين» التي انتشرت في الآونة الأخيرة في حملة مضادة لسوء استغلال الصناعات الغذائية للإنسان ولصحته.

معضلة آكل كل شيء:

التاريخ الطبيعي لأربع وجبات

تأليف: مايكل بولان

الناشر: مطبعة بنغوين

صفحة464