رهين المحبسين كتب كثيراً ولم يبق سوى القليل

TT

وصفه الشاعر ادونيس المعري بالقول: «كان برجا يرتفع وحيدا عاليا في حضارة البشر، وفي الجهات كلها يُرى ويتلألأ». شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، فقد أبو العلاء المعري بصره قبل أن يبلغ الرابعة، إثر إصابته بمرض الجدري. لكن معاناته الشديدة، زادته رغبة في العلم والمعرفة بدل أن تكسر عزيمته، فجال في المدن طالباً للعلم، وتجمع حوله الطلاب في المجالس والمنتديات التي كان يزورها، لما كان يتمتع به من ثقافة شعرية وفلسفية، لا بل وموسوعية، على طريقة علماء ذاك العصر. ولد ابو العلاء في معرة النعمان، شمال سورية، بالقرب من حلب، عام 363 هـ، وهو من عائلة علم مرموقة أباً عن جد .

اتهم المعري بالزندقة وقيل انه كافر، لكن كل الدلائل تشير إلى ان الرجل ظلم وحمّل ما لا صلة له به. كان زاهداً من الصنف الرفيع، وعرف عنه تقشفه، وتجنبه اللحاق بالأهواء وارتكاب المعاصي، ولم يعاقر الخمر، ولم يقرب النساء، كما ابتعد عن أكل اللحوم رحمة بالحيوان وعاش نباتياً.

كتب عنه أحمد عبد المعطي حجازي: «المعرّي بالنسبة لي شاعر قبل أي صفة أخرى. لكنه شاعر فريد لم يتكرر في الشعر العربي، فليس شعره من نسيج الذاكرة الجامعة الحافظة وتلفيقاتها، وإنما هو خيال شجاع محلق مغامر يمزق الصمت، ويطرق الأبواب، ويطرح الأسئلة الرهيبة، أسئلة الشاعر الملهوف المثقف المعذب بالتجربة الباحث عن الجواب. الشاعر كما تمثل في المعرّي كان عند الكثيرين طارئاً غريباً على الشعر العربي، أو كان مفكراً يستخدم الشعر، أكثر من كونه شاعراً يعيش الشعر بكل كيانه وجوارحه، أو لا يعيش إلا الشعر، فليس له شغل، ولا لغة، ولا متعة، ولا نسب، ولا قضية، ولا التزام إلا الشعر». عام 396 ترك الشاعر معرة النعمان، وذهب الى بغداد، وبعد مكوث سنتين، عاد ليجد والدته قد رحلت، لزم بيته، واعتزل الناس، وسمي من حينها «رهين المحبسين»، لكنه وتحت إلحاح المريدين، وطالبي العلم على يديه، فتح داره، واستقبل رواده. ورغم ان هذا الشاعر الكبير عرف بغزارته، الا ان ما وصلنا من كتاباته، يقتصر على «رسالة الغفران»، و«سقط الزند» و«اللزوميات» وبعض الرسائل الصغيرة. لذلك فإن العثور على بعض مما هو مفقود من كتابات أبي العلاء يعتبر كنزاً بكل المقاييس.