السياسيون المغاربة لم يصلوا بعد إلى سن اليأس الثقافي

يمنحون أذهانهم إجازة خلال فصل الصيف ويعكفون على قراءة الروايات

TT

نشر «المنتدى الثقافي» في عدده قبل الأخير، تحقيقا حول ما يقرأه السياسيون في إجازاتهم الصيفية. وبدا أن عدد المتهربين من الجواب أو الراغبين في تبرير التقاعس عن المطالعة، أكثر بكثير من الذين ألزموا أنفسهم البقاء على صلة مع الكتاب. وفي هذه الحلقة الأخيرة من ملف السياسيين وقراءات الصيف، يبدو السياسيون المغاربة وكأنهم حالة استثنائية، في محيط السياسيين العرب المضربين عن القراءة.

رنات الهواتف الجوالة التي لا تتوقف، والمؤتمرات الصحافية والركض خلف ماكينة السياسة الهادرة.. نادرا ما تترك للسياسيين المغاربة الوقت لكي يجلسوا باسترخاء فوق أريكة لقراءة رواية بالعربية أو الفرنسية أو الانغماس في هموم فلسفية، فلا يكاد يوجد مكان في أجندتهم اليومية لشطحات أرسطو أو وجودية سارتر التي صارت تذكر بعضهم بأعوام كانوا فيها يقرأون كل ما وقع نظرهم عليه.

إسماعيل العلوي: المطالعة قبل النوم

اسماعيل العلوي، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (غالبية حكومية) يوضح أن انشغالاته السياسية التي لا تنتهي تجعله غير قادر على تخصيص وقت مضبوط للقراءة، مضيفا أن السياسيين يفقدون رصيدا مهما من ثقافتهم بسبب كثرة الانشغالات، بيد أن عليهم بذل مجهود في القراءة قبل النوم أو أثناء السفر، مشيرا إلى أنه عود نفسه منذ وقت طويل على ضرورة قراءة بعض الصفحات قبل أن يغالبه النوم.

محمد العربي المساري قارئ على مدار اليوم

محمد العربي المساري، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال (غالبية حكومية)، يسبح ضد التيار الذي جرف السياسيين المغاربة بقراره التقليل من السياسة وتخصيص جل وقته إلى الثقافة وقراءة الكتب إلى درجة تحول معها إلى كائن من حبر وورق. فالمساري من السياسيين القلائل الذين رفضوا شراء هاتف جوال حتى يتحكم في وقته وفق طقوس اعتادها منذ سنوات طويلة، إذ يبدأ طقوسه اليومية وينهيها على عادة القراءة، فأحيانا ينسل من الصفوف الأولى لتجمع الحزب ويبحث عن قاعة هادئة ويفتح الكتاب الذي يحمله ويشرع في التهامه من دون ملل أو كلل.

ويقول المساري إنه لا يفعل شيئا طيلة اليوم غير القراءة والكتابة، ولا يهتم كثيرا بمسألة الفصول المناخية، لأن له فصوله الخاصة به، ففصل الصيف لا يجعله يغير عاداته اليومية في القراءة. فهو قارئ دائم على مدار اليوم، ويقرأ كل ما يساعده على تجديد ثقافته ومتابعة التحولات التي يعج بها المجتمع المغربي، مضيفا أنه ظل يقرأ منذ ثلاثة أيام كتابا عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

حسن طارق: فصل الصيف ينقذني

حسن طارق، الأمين العام لشبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (غالبية حكومية) يرى أن عمله أستاذا جامعيا للقانون الدستوري يلزمه بتخصيص أربع ساعات يوميا لـ«قراءة الضرورة» حيث ينكب على مطالعة الكتب الحديثة في القانون الدستوري، كما أنه يجد نفسه في الكثير من الأحيان مجبرا على قراءة كتب سياسية أخرى للتحضير للندوات التي يشارك فيها، مضيفا أنه مدين لفصل الصيف بإنقاذه من قبضة الكتب القانونية ونقله صوب فضاء الرواية الرحب الذي يجعله يقوم بواجب صلة الرحم الثقافي مع مجموعة من الأدباء الذين سقط في غرام أقلامهم منذ أعوام طويلة خصوصا الروائية الجزائرية، أحلام مستغانمي التي يواظب على إعادة قراءة ثلاثيتها، مشيرا الى أن فصل الصيف يمكنه من التقاط أنفاسه أدبيا وتصفح آخر انتاجات الأدب المغربي.

ويوضح طارق أن السياسي المغربي عندما تعرض عليه فكرة الذهاب إلى السينما لمشاهدة آخر الأفلام أو قراءة الكتب يتعلل بكثرة التزاماته، مضيفا أنها أكبر أكذوبة في تاريخ البشرية، لأن السياسيين الفرنسيين لا يقرأون فقط، بل ينتجون كتبا بشكل منتظم ويساهمون في إغناء الحياة الثقافية بأفكارهم ومطارحاتهم الفكرية، مبرزا أن السياسي الذي تربطه علاقة ود خاصة مع القراءة يستحيل أن يهجرها صوب أشياء أخرى.

عبد العزيز الرباح: ملخصات الكتب هي الحل

أما عبد العزيز الرباح، الأمين العام لشبيبة حزب العدالة والتنمية الأصولي المعارض، فإنه آثر تقسيم وجبات القراءة إلى ثلاثة أطباق مختلفة يلتهم منها ما طاب له من الأفكار المتنوعة حيث يبدأ يومه بقراءة مقالات وملخصات كتب في الانترنت، يطالع فيها آخر المستجدات حول قضايا العولمة والتطور العالمي والإبداعات التكنولوجية والنقاشات الصاخبة حول الفن الملتزم والفن الهابط، مضيفا أنه ينتهي من الانترنت ليشرع في قراءة الصحف التي يتوجه فيها رأسا لقراءة الأحداث السياسية والرياضية والملفات الاجتماعية، مشيرا إلى أنه يجد نفسه مضطرا لقراءة ما بين خمس وعشرة صحف يوميا ناهيك من الصحف والمجلات الأسبوعية.

ويقر الرباح أن ميله إلى مطالعة الكتب تراجع بسبب قلة الوقت، لذلك يعكف على قراءة ملخصات الكتب في كافة المجالات، خصوصا التي تتطرق إلى موضوعات التنمية والعلاقات الدولية، مضيفا أن كتب الجيب، يسرت مهمة القراءة عليه بسبب سهولة حملها وتكثيفها لعدة مواضيع.

ويبرز الرباح أن السياسيين المغاربة لم يصلوا بعد إلى سن اليأس الثقافي، لأن بعضهم ما زال يصدر كتبا على قلتها، مشيرا إلى أن السياسيين الفرنسيين بدورهم لا يكتبون، وإنما يلجأون إلى إملاء أفكارهم على كتاب شباب يقومون بترتيبها ويضعون اسم الزعيم السياسي على غلاف الكتاب في نهاية المطاف. واعتذر سياسيون مغاربة آخرون لـ«الشرق الأوسط» عن الخوض في هذا الموضوع بنبرة حزينة، معترفين بأنهم صاروا يعانون من تسرب ثقافي كبير منذ كرسوا حياتهم لحل طلاسم السياسة، ففصل الصيف لا يكفي ليعيد إليهم شغفهم بالقراءة، فلا يمكن للمرء أن يصبح سياسيا لامعا من دون أداء ضريبة النجاح.