الشهير جون أبدايك بفضل روايته «الإرهابي» يحصد إقبال القراء

حكاية مركبة تستثمر الخيال وتجمع خيوط الوقائع

TT

اصدر مؤخرا، الروائي الأميركي الشهير جون ابدايك، رواية تحمل عنوان «الارهابي»؛ وهي آخر رواية تصدر في اميركا، كجزء من ظاهرة جديدة (وتاريخية، ومهمة) لعشرات الروايات والكتب عن العرب والمسلمين والإرهاب بعد هجوم 11 سبتمبر(ايلول)، لكن هذه الرواية، تحديداً، وجدت إقبالا كبيرا بسبب شهرة كاتبها: عمره 74 سنة، تخرج من جامعة هارفارد، ودرس الفن في اكسفورد، ثم عاد الى اميركا قبل اكثر من نصف قرن، وتخصص، منذ ذلك الوقت، في كتابة الروايات التي نجحت كلها، ونال جوائز أدبية كثيرة، ورشح مرة لجائزة نوبل في الادب، لكنه لم يفز بها. كتب ثلاثين رواية، وعشرين قصة قصيرة، وعشر مقالات نقد طويلة، وست روايات للاطفال، ومسرحية، وكتاب مذكرات، لكن رواية «الإرهابي» ربما كانت ذات أهمية خاصة.

تدور الرواية حول بطلها، احمد عشماوي، وتتلخص في قصته، منذ ان ولد في اميركا من أب مصري وأم اميركية، حتى كاد يفجر نفسه في عملية انتحارية في نيويورك، لكن استاذه اليهودي اقنعه بألا يفعل ذلك.

وتعالج الرواية كثيرا من المواضيع المهمة، مثل:

اولا، زواج المسلمين والعرب الاجانب بأميركيات (وطلاق نسبة كبيرة منهم).

ثانيا، مشاكل البحث عن الهوية وسط اولاد وبنات هؤلاء عندما يكبرون (خاصة في المرحلة الثانوية).

ثالثا، تأثير الائمة المسلمين المتطرفين على هؤلاء (لأن كثيرا من هؤلاء الائمة جاءوا من الدول الاسلامية، ولا يعرفون كثيرا عن المجتمع الاميركي).

رابعا، الخيانات الزوجية في المجتمع الاميركي (وهذه بين رجل يهودي وامرأة مسيحية).

خامسا، العلاقات (وخيانات) بين المهاجرين العرب في اميركا (وهذه بين مصريين ولبنانيين).

سادسا، تجسس اجهزة الامن الاميركية على المسلمين والعرب في اميركا (ومحاولاتها توريطهم في عمليات ارهابية).

سابعا، كراهية الاميركيين لليهود (في حياتهم الخاصة، لكنهم لا ينشرون ذلك في صحفهم، ولا يقولونه علنا).

ثامنا، التفرقة العنصرية ضد السود (ايضا في حياتهم الخاصة، ولا ينشرون ذلك في صحفهم، ولا يقولونه علنا).

يستحق كاتب الرواية المدح، ليس فقط لأنه كتب رواية ممتازة، مثل روايات اخرى كتبها، ولكن، ايضا، لأنه تابع حرب الارهاب (داخل اميركا وخارجها). ودرس نفسيات العرب والمسلمين (وآراء الاميركيين فيهم). وتعلم بعض القرآن الكريم (واستفاد من دروس استاذه شادي ناصر، واثنى عليه في الكتاب). واستعمل المؤلف آيات كثيرة في الرواية، لم يستغلها لنقد الاسلام، ولا للاساءة اليه، ولكن لتقديم صورة شبه حقيقية لتأثير الاسلام على المسلمين، بصورة عامة، وعلى بطل الرواية المتدين، بصورة خاصة.

هاجر عمر عشماوي من مصر الى اميركا للدراسة، وقابل الشقراء تريسا ميلوري (وصف المؤلف قائلا: «عيناها زرقاوان، وخداها خليط من لونين ابيض ووردي، ودم آيرلندا يظهر في خطوط زرقاء على ذراعيها الابيضين»). تزوج عمر من تريسا وعاد فجأة الى مصر، بعد ان قالت له انها حامل، ولم تسمع منه بعد ذلك. ولهذا لم ير عمر ابنه احمد الذي ربته امه، وسمته «أحمد ميلوري»، على اسم والدها.

لكن احمد، عندما كبر ودخل المدرسة الثانوية، سأل أمه عن تفاصيل والده، وبلده، ولون بشرته، وعينيه، وشعره، وطول قامته، وشكل أنفه، وسأل عن دينه، واهتم بالاسلام، ووصل اهتمامه الى حد التدين الشديد، وألغى اسم «احمد ميلوري» واستبدله بـ«احمد عشماوي». وتردد أحمد على مسجد الشيخ رشيد (امام متشدد هاجر من اليمن) في ولاية نيوجيرسي (في ضواحي نيويورك)، وحفظ سور القرآن القصيرة. وكانت سورته المفضلة هي «الحطمة» لأنه كان يخيف بها «الكفار»، ويردد: «وما ادراك ما الحطمة؟ نار الله الموقدة. التي تطلع على الافئدة. انها عليهم موصدة. في عمد ممددة». (كتب المؤلف كل السورة).

كان احمد تلميذا ناجحا في مدرسة «سنترال هاي» الثانوية، لكن الشيخ رشيد، عندما لاحظ تدين احمد، فكر في ان يجنده للقيام بعمليات ارهابية في نيويورك، بعد هجوم 11 سبتمبر. (لم يكن الشيخ اليمني رشيد مثل الشيخ المصري عمر عبد الرحمن الذي اعتقل وحوكم لأنه «شجع» على الارهاب، رغم انه لم ينف انه دعا «للجهاد»).

الشيخ رشيد كان يدعو للجهاد في خطبه، لكنه، ايضا، كان جزءا من خلية ارهابية. لهذا فان اهتمامه بأحمد كان ذا شقين: الاول، يعلمه الاسلام (المتطرف في هذه الحالة)، وثانيا، يجنده للاشتراك في الارهاب.

وظهر تدين احمد في ابتعاده عن بنات المدرسة الثانوية، ونفوره من «ملابسهن شبه العارية: سره مكشوفة هنا، وحلقة معلقة هناك». كان أحمد يسمي كل واحدة «شيطانة»، ويقول في نفسه: «انهن شيطانات يردن منى ان ابتعد عن رب العالمين». وكان منعزلا الى حد كبير.

لكن أحمد تقرب من «جويلين» السوداء (كتب المؤلف: «كانت في لون الشكولاتة»). استغربت من الاسلام لأنها لم تسمع به قبل ذلك، ومن احمد لأنه كان مسلما. وفكرت في ان تنصّره، وأقنعته ان يذهب معها الى كنيسة مليئة بالسود. وقال لها ان التجربة كانت مفيدة، لكنه ناقشها في وصف المسيحيين لعيسى بأنه «صديق»، وقال ان «الله ليس صديقا، لكنه رب».

ربما كانت العلاقة بين الاثنين ستقوى، وربما كان سيقنعها بدخول الاسلام، لكن «تايلانول»، صديق البنت، شتمه شتائم عنصرية (لأنه عربي)، ولكمه، وحذره ألا يقترب من صديقته.

كان جاك ليفي اكثر قربا الى احمد من اي شخص آخر في المدرسة، لكنه لم يكن زميله، بل كان استاذه اليهودي (كتب المؤلف: «كان اسمه جاكوب ليفي، لكنه غيره الى جاك ليفي، ليكون اكثر قربا من المسيحيين، ولأنه لم يكن يؤمن بالله»).

لكن زوجته، اليزابيث، كانت مسيحية. (كتب المؤلف، عن لسان زوجها: «انا اعرف إحساس بعض الناس عندما اقول لهم: انا يهودي وزوجتى مسيحية. واعرف إحساسهم عندما اقول لهم إن زوجتي رفضت ان تتحول من المسيحية الى اليهودية. أنا اعرف كل ما يخفي الناس عنى. أنا أعرف وضع اليهودي في هذا المجتمع المسيحي. يعتقدون أن اليهودي لا يمكن أبدا ان يكون فخورا بنفسه».

لكن العلاقة الزوجية بين ليفي وزوجته ضعفت مع مرور الزمن، لأن الزوجة اصبحت بدينة. (كتب المؤلف: «عندما تقابلا اول مرة في جامعة روتغرز، كانت رشيقة مثل الفتيات في اعلانات «كوكا كولا». وانبهر ليفي ببياض لونها اللامع، وضحكتها المغرية»). لكن، مع مرور الزمن، تحولت الزوجة الى «كتلة من الشحم»، وبدأ ليفي يفكر في عشيقة. واستغل احمد لتحقيق ذلك.

حرص ليفي اليهودي على ان يدخل احمد المصري الجامعة، لأن درجاته كانت ممتازة، وربما كان سيحصل على منحة دراسية ليدخل جامعة هارفارد. لكن أحمد قال إنه يريد أن يكون سائق شاحنة، بعد ان اقنعه الشيخ رشيد، وقال له انه فقير، وبدون أب، ولن تقدر أمه على دفع مصاريف الدراسة الجامعية.

وعندما سمع المدرس ذلك، ذهب الى منزل احمد ليقابل والدته، ويقنعها. لكن اللقاء الاول تطور الى لقاء ثان، ثم ثالث، ووقع المدرس والأم في غرام بعضهما البعض. لم يصدق احمد في البداية، لكنه تأكد من وجود علاقة بين الاثنين، وقاده هذا الى احتقار الاثنين. احتقر أحمد المدرس، ورفض الاقتناع برأيه بأهمية دخول الجامعة. وانهزم الاستاذ اليهودي، وانتصر الشيخ اليمني، وقرر احمد ان يلتحق بمدرسة لتعليم قيادة الشاحنات الثقيلة، ولم يستغرق ذلك وقتا طويلا حتى وجد وظيفة في شركة شحن.

واحتقر أحمد أمه. وكانت العلاقة بينهما، في الحقيقة، متوترة منذ ان كبر: اولا، حملها مسؤولية اختفاء والده. ثانيا، اعترض على اصدقائها الرجال. ثالثا، اعترض على الملابس التي تلبسها. (يوم حفل تخريجه من المدرسة الثانوية، قال لها: «أرجوك يا امي ان ترتدي ملابس محترمة، لا ملابس العاهرات»).

وفي الجانب الآخر، اكثرت الأم من نقد ولدها. لم تعترض على إسلامه، لكنها تمنت لو كان مسيحيا مثلها. وعندما اصبح مسلما متشددا، اعترضت، لكنها لم تكن تقدر على ان تناقشه في دين لا تعرف عنه شيئا كثيرا. (كتب المؤلف على لسانها: «كان احمد وحيدا منذ ان كان صغيرا، واهتم بالإسلام بدون مساعدتي، واهتم بوالده بدون موافقتي. لماذا يهتم به، وهو الذي هرب منه، ولم يترك له دولارا، ولم يرسل له دولارا؟»).

التحق احمد بشركة شاحنات يملكها لبناني، حبيب شهاب، وابنه شارلي. ورغم ان شارلي مسيحي، شجع احمد على الاهتمام بدينه، وعلى التضحية في سبيله، وخاصة بسبب الظلم الواقع على المسلمين في أماكن كثيرة في العالم. (كتب المؤلف، على لسان شارلي، مخاطبا أحمد: «لماذا يجوع المسلمون في الفلبين؟ لماذا يمرض المسلمون في مصر بالبلهارسيا؟ لماذا يموت المسلمون في فلسطين بصواريخ طائرات الاسرائيليين؟».

لكن مع نهاية هذه القصة المثيرة، يعرف أحمد ان شارلي اللبناني، ليس إلا عميلا لوزارة امن الوطن الاميركية، وانه يجمع معلومات عنه، ويرسلها الى الشرطة السرية. ويقضي احمد على اللبناني، ويسمع كلام اليمني لتفجير مبنى في نيويورك، لكن مدرسه اليهودي يتدخل لإقناعه، في آخر لحظة، ألا يفعل ذلك.